ظهر مفهوم "ستايكيشن"، وهو تعبير جديد منحوت من كلمتين إنجليزيتين، هما: الإقامة Stay والإجازة Vacation، ويعني "قضاء الإجازة في مكان الإقامة"، بشكل متزامن مع انتشار مفهوم مشابه له، وهو "وركيشن"، الذي يعني العمل في مكان السفر، وسط تفشي جائحة كوفيد-١٩. وتستمر أنماط الحياة الجديدة هذه في اكتساب شعبية بين الناس.
شاركت كاتبة الرحلات "تشونغ تشون يو-ري" وزوجها في مشروع "الإجازة في مكان الإقامة" الذي استمر لمدة شهر في بلدة يونغوول بمحافظة غانغوون. وأظهر حسابها على الإنستغرام
(@travel_bellauri) سلسلةمن المقالات بعنوان "ذلك الصيف، شهر الشباب".
© تشونغ تشون يو ري
أدى تخفيف إجراءات الإغلاق ورفع القيود المرتبطة بجائحة كورونا إلى عودة الحياة إلى طبيعتها، وعودة السفر بين الدول إلى طبيعته السابقة التي كان عليها قبل الجائحة، فصار من غير قيود وخاليا من إجراءات الفحص الطبي وغيرها من التعقيدات.
ومع ذلك، أصبح العديد من الكوريين يفضلون تجربة الإقامة طويلة الأمد في مكان جديد خارج منازلهم بدلا من السفر إلى خارج البلاد أثناء إجازاتهم. وعلى وجه الخصوص، انتشرت ثقافة الإجازة الجديدة المتمثلة في الإقامة في مكان جديد داخل البلاد لفترة زمنية محددة، مثل قضاء بضعة أيام في مسقط الرأس وليس الإقامة في فندق فاخر. وبالنسبة للمتقاعدين والعاملين لحسابهم الخاص، فإن ثقافة الترفيه الجديدة هذه تمنحهم الفرصة لقضاء وقت مريح في مكان جديد خال من المتاعب والمشاكل التي قد تنشأ عن السفر إلى خارج البلاد.
وفي هذه الأيام، تكيّف العديد من العاملين في المكاتب مع العمل عن بعد من منازلهم، لدرجة أنهم باتوا يفضلون عدم العودة إلى المكاتب والاستمرار في مزاولة أعمالهم من بيوتهم. وبشكل غير متوقع إلى حد ما، قبلت العديد من الشركات طلبهم هذا، على أمل أن يكون موظفوها أكثر نشاطا وإنتاجية من خلال هذه الثقافة الجديدة. وبالإضافة إلى ذلك، أحدث الجيل الجديد من الموظفين تغييرات مختلفة عن الجيل السابق. ففي السابق، كان "قضاء الوقت مع الزملاء" أمرا ضروريا، وكانت حفلات العشاء والإفراط في شرب الخمر بعد العمل أمرا شائعا. ولكن اليوم، نجد الموظفين الشباب يرفضون ثقافة الشركة التي عفّى عليها الزمن. إن الأجيال الجديدة تفضل الخبرات الجديدة، فهم يرون العمل من موقع الإجازة وسيلة للاستفادة من مهارات العمل خارج المكتب أثناء الاستمتاع بلحظات جديدة في حياتهم.
الهروب من حياة المدينة
بالطبع، في الماضي كانت الإجازة تعني أن يعيش المرء في مكان جديد لمدة شهر تقريبا. ومع ذلك، لم يكتسب أسلوب العطلة الجديد هذا الكثير من الاهتمام حتى أوائل عام ٢٠١٠. وفي ذلك الوقت، أصبح العيش في جزيرة جيجو لمدة شهر اتجاها جديدا للسفر في كوريا، بفضل العديد من جوانبها الجذابة مثل البيئة الطبيعية المتميزة في الجزيرة، ووجود مساحة واسعة للأطفال للعب بشكل مريح وخالية من الإجهاد الدراسي، ووجود عدد كبير من بيوت الضيافة في الجزيرة.
علاوة على ذلك، فما كادت المغنية الكورية المشهورة "لي هيو-ري" تنتقل إلى جزيرة جيجو بعد زواجها عام ٢٠١٣، حتى أخذت أنظار الجمهور تتجه إلى الجزيرة والاهتمام بحياة "لي" اليومية هناك. حيث أقامت "لي" حفل زفاف صغيرا في الجزيرة، وبدأت تقضي وقت فراغها مع كلبها في فناء البيت أو المزرعة وتستمتع بحياتها الهادئة وسط المناظر الطبيعية بين البحر والجبال، مما أثار الاهتمام والفضول لدى عدد كبير من الكوريين.
وفي الوقت نفسه، أخذت المحافظات والمدن الأخرى تبذل جهدها لاجتذاب انتباه السياح من خلال تقديم برامج ترويجية وسط انتشار أنماط العطلات الجديدة، ومن بين تلك البرامج الترويجية السياحة، "رحلة لمدة شهر في محافظة جولا" و"سفر لمدة شهر إلى محافظة غيونغسانغ" و"الوقت المناسب للسفر إلى مدينة غيمهاي" و"تعال جرّب الحياة في قرية نوواه لمدة شهر". وبشكل عام، يتكون هذا النوع من برامج السفر، من زيارات للأماكن السياحية الجميلة والمطاعم المحلية الممتازة.
ترعى بلدية يونغوول مشروع "الإقامة لمدة شهر واحد لكل موسم بين الفصول الأربعة"، بغرض تحفيز الاهتمام بالبلدة. وفي هذا السياق، تدعو الشعراء والخطاطين وكتاب الرحلات لنشر تجاربهم وتوزيعها على شكل كتب مجانيّة.
© بلدة يونغوول
من قرية مهجورة إلى منتجع
يختار الكثير من الناس الإقامة في المدن الصغيرة التي تحوّلت إلى أماكن سياحية جديدة، فعلى سبيل المثال، في مدينة غونغجو بمحافظة تشونغتشونغ الجنوبية، هناك قرية اسمها "جي مين تشون" تبدّل حالها من قرية صغيرة مَنسية ومهجورة إلى مُنتجع سياحي مشهور يقصده الزوار من مختلف مناطق كوريا، حيث يعمل سكانها موظفين في الفندق. ويقوم متجر "غا غا سانغ جوم" في شارع القرية، بدور مكتب الاستقبال، بينما يؤدي مقهى "بان جوك دونغ ٢٤٧" وظيفة البهو أو الصالة. أما البيوت الكورية التقليدية المسماة "هانوك" هناك فتحولت إلى غرف للضيافة. وهناك العديد من الجوانب الجذابة في القرية مثل المطاعم المتميزة على جانبي "جي مين تشون"، الجدول الصغير الذي يحمل اسم القرية نفسها.
ويعد "فندق فيليدج ١٨" الكائن في منطقة جونغسون بمحافظة غانغوون، أقدم فندق قروي في البلاد. وقد بدأت إدارة الفندق في عام ٢٠١٨ بإعادة تشكيل وصياغة حي غوهان، وهو حي تعدين مهجور، وغيّرت اسمه إلى "فندق فيليدج ١٨". وفي هذا الحي، تُستخدم قاعة المجتمع في القرية كصالة، ويتم منح المصطافين والزوار الذين يقيمون في منازل القرية التي تحولت من منازل فارغة إلى بيت ضيافة، قسائم خصم للمطاعم واستوديو التصوير وصالون الحلاقة. ويعكس هذا البرنامج الجهود الحثيثة التي تبذلها مختلف مناطق البلاد لإحياء المساكن في القرى الريفية وقرى الصيد التي أصبحت خالية بسبب الهجرة المستمرة إلى المدن الكبرى.
يدعم عدد متزايد من الحكومات المحلية مشاريع "قضاء الإجازة في مكان الإقامة"، حيث يحب المزيد من الناس "العمل في مكان الإجازة". ونظرا لأن سُمح باستخدام المنازل الخالية في القرى لأغراض تجارية، سيتمكن المسافرون من الاستمتاع بمجموعة متنوعة من أماكن الإقامة بأسعار معقولة.
© غيتي إيميجز كوريا
ووفقا للبيانات الإحصائية الصادرة عن هيئة الإحصاء الكورية، كان هناك , ٣٩٥, ٢٥٦ مسكنا غير مأهول في جميع أنحاء البلاد في عام ٢٠٢١، بما في ذلك الشقق غير المباعة. ومن أجل معالجة هذه المشكلة الاجتماعية الجديدة، سمحت الحكومة للقرى الزراعية وقرى صيد الأسماك بتشغيل الإقامة في المنازل الخالية. وبفضل ذلك، تمكن أولئك الذين تركوا بيوتهم في القُرى خالية من الحصول على دخل جديد والمستثمرون من اكتساب فرص جديدة لتحقيق الأرباح.
العمل في مكان الإجازة
لقد انتشر مفهوم "العمل من مكان الإجازة" بين الشباب الكوريين في العشرينيات والثلاثينيات من العمر. ويشير هذا إلى نظام عمل جديد يسمح للموظفين بالعمل وأخذ الإجازات في الوقت نفسه في أي مكان يريدونه، وليس في المنزل أو في المكتب. وجاء ذلك وسط انتشار ثقافة العمل عن بعد وتعميم القاعدة الرقمية خلال السنوات القليلة الماضية. وسمحت بعض الشركات بالعمل من مواقع الإجازات بشرط مراعاة ساعات العمل الرسمية. ونتيجة لذلك، يمكن للموظفين تحقيق التوازن بين العمل والراحة، والعمل بكفاءة أكبر. وعلى وجه الخصوص، فإن ظهور أجيال شابة على دراية بالأجهزة الرقمية وترى ضرورة "التوازن بين العمل والحياة"، كان له تأثير كبير على انتشار ثقافة العمل في مكان الإجازة.
هذا جزء من "بلدة يونغوول" في "مجموعة قصص لي سولا"، التي نُشرت بالتعاون مع البلدية. وتقدم الكاتبة "لي سولا" قصصا للقراء كل يوم من خلال "دايلي سولا"، وهي خدمة عبر الإنترنت مع تحديثات يومية. وأثناء إقامتها في البلدة، كتبت "لي" مقتطفات مصحوبة بصور تأمل اليوغا والزهور والنباتات البرية ووصفات نباتية.
© بلدة يونغوول
ويعطي العمل في مكان الإجازة تجربة جديدة في "الانسجام بين العمل والحياة"، فمثلا "تشوي غاب-سو"، الشاعر وكاتب الرحلات الذي قضى في العام الماضي شهرًا في مدينة "غانغ رونغ" بمحافظة "غانغوون"، يحدثنا عن تجربته فيقول "إنه لأمر رائع أن تخرج من مكانك المعتاد وتعيش تجربة بيئة وحياة يومية مختلفة تماماً. كان لدي صباح جديد في المسكن كل يوم، وكنت قادراً على عيش حياة مختلفة تماماً عن روتيني المعتاد. وكان كل شيء جديداً وكان مصدر إلهام. وكان فرصة نادرة لأخذ قسط من الراحة دون توتر أو إجهاد في الجسد والعقل. كما أعطاني فرصة لتقدير قيمة الحياة. وقررت من الآن فصاعدا أن أمنح نفسي مثل هذا الشهر الجديد كل عام".
ووجد استطلاع للرأي أجري في إصدار ٢٠٢٣ من "تريند كوريا"، وهو كتاب سنوي يشرح أحدث الاتجاهات في المجتمع الكوري، أن جميع الفئات المستطلعة آراؤهم اختارت المناطق الريفية كأفضل مكان للعمل، نظرا لأنه يمكن فيه الاستمتاع بمزايا الطبيعة والريف، إلى جانب الراحة التي لا يمكن العثور عليها في حياة المدينة. ومع ذلك، لا يمكن القول إن نظام العمل في مكان الإجازة إيجابيات كله، فلا شك أن الأمر لا يخلو من صعوبات ومشكلات، ومن بين تلك الصعوبات التي يمكن أن يسببها العمل في مكان الإجازة ساعات العمل غير المنتظمة، وعدم وضوح الحدود بين الإجازة والعمل أو عدم وجود هذا الحد الذي يفصل بينهما. صعوبات تطبيق هذا النظام الجديد تنسحب على جميع المهن.
إن الرحلة من خلال الإقامة لمدة شهر ستستغرق بعض الوقت لتصبح اتجاها عالميا للسفر. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن المزيد من الناس يريدون "تجربة بسيطة لكنها خاصة". وهذا لأن العيش في مكان السفر لمدة شهر أصبح أسلوبا جديدا للحياة ومستقبلا للسفر.