يعد متحف سيول للفنون الحرفية الذي يقع في منطقة آنغوك-دونغ بمدينة سيول أول متحف عام للفنون الحرفية في كوريا، وقد بدأ المتحف في عرض الفنون الحرفية في يوليو عام ٢٠٢١ قبل موعد افتتاحه الرسمي في نوفمبر من العام نفسه. وبالرغم من أن الافتتاح كان خلال جائحة كوفيد-١٩ فإنه شهد بداية جيدة، حيث بلغ متوسط معدلات الحجز فيه ٩٥.٧ بالمائة، وأصبح من المعالم التاريخية والثقافية التي يجب زيارتها في سيول.
لقطة من واجهة مبنى العرض الأول من متحف سيول للفنون الحرفية. تم الحفاظ على الملعب الواسع للمدرسة الثانوية السابقة لتوفير مساحة مفتوحة للجميع وتم تغطيتها بتربة الجرانيت المتحللة لتسهيل مشي الزوار مع الحفاظ على الخصائص الفيزيائية لها.
التقديم: متحف سيول للفنون الحرفية
يقع متحف سيول للفنون الحرفية بين قريتَيْ بوكتشون وسيوتشون اللتين تتركز فيهما البيوت التقليدية، ولذلك لا يجد السياح مشقة في معرفة مكانه والوصول إليه. فبالقرب من المتحف ثمة قصور بُنيت في عهد مملكة جوسون، أشهرها قصر غيونغبوك وقصر تشانغدوك، وتقام حوله أفضل المعارض الفنية الكورية أيضا. وعلى مقربة من المتحف يقع الكثير من المواقع الأثرية والمشهورة، فعلى سبيل المثال لا الحصر يمكن الانتقال من هناك مشيا على الأقدام إلى المتحف الوطني للفنون الحديثة والمعاصرة والمتحف الوطني الكوري للفنون الفولكلورية وميدان غوانغهوامون وأماكن أخرى كثيرة.ويحتوي هذا المتحف على حوالي 23 ألف قطعة من الحرف في مختلف المجالات التي تم صنعها على مر القرون، بما في ذلك ممتلكات ثقافية وطنية. وتقام فيه عروض فعاليات وأنشطة دائمة وخاصة وبرامج مختلفة، حيث يجتذب تدفقًا متزايدا من الزوار، وقد جعل هذا المتحف الذي يزخر بالحرف النفيسة المدينةَ أكثر ثراء ثقافيا.
المكان التاريخي
صمم استوديو كيليتا آند كومباني للتصميم شعار متحف سيول للفنون الحرفية بتجسيد الأهمية التاريخية والميزات المعمارية للمتحف على شكل أبجدية كورية.
التقديم: كيليتا آند كومباني
يصطف حوالي 30 كرسيا تشبه الجرار الفخارية التقليدية في الفناء الأمامي لمبنى العرض الأول، ويجلس عليها الزوار ويتجاذبون أطراف الحديث. تعد هذه الكراسي من الأعمال التي صنعها فنان الفخار إي غانغ-هيو في إطار مشروع "أوبزيكتز ناين".
© كيم جونغ-أوه
وضعت مدينة سيول خطة إطارية لإنشاء متحف سيول للفنون الحرفية في عام ٢٠١٤ من أجل إحياء الثقافة الحرفية، واستكملت شراء أراضي الموقع في عام ٢٠١٧، وبدأت ببناء المتحف في العام التالي. وقد ساهم موقع المتحف في جذب اهتمام الجمهور، لأن جذوره تعود إلى عصر مملكة جوسون. ويقال إن نقطة البداية كانت من الملك سيجونغ العظيم (حكم من ١٤١٨ إلى ١٤٥٠) المعروف باختراعه الأبجدية الكورية "هون مين جيونغ أوم" والذي بنى قصرًا هنا لابنه الثامن الأمير يونغأونغ العظيم، وانتقل إليه ليقضي السنوات الأخيرة من حياته، ثم أقام ابنه الأكبر مونجونغ (حكم من ١٤٥٠ إلى ١٤٥٢) حفل تتويجه الملكي في هذا القصر.وكان هذا القصر مقرًا لإقامة الأميرات والأمراء قبل أن يقوم بتوسيعه الملك غوجونغ (حكم من ١٨٦٣ إلى ١٩٠٧) في أواخر القرن التاسع عشر. ومنذ ذلك الوقت صار يُطلق على القصر اسم "آنغوكدونغ بيولغونغ"، أيْ القصر المنفصل في آنغوك-دونغ أو اختصارا "آندونغ بيولغونغ"، حيث كانت تُقام فيه الاحتفالات الملكية، ففي عام ١٨٨٢ مثلا أقيم فيه حفل زفاف اسطوري للإمبراطور سونجونغ (حكم من ١٩٠٧ إلى ١٩١٠) الابن الثاني للملك غوجونغ.
وبعد عام ١٩١٠ أصبح القصر يُستخدم سكنا للخادمات حتى تم بيعه لمشتر مدني في عام ١٩٣٦، حيث بدأ يفقد شكله الأصلي وهويته التاريخية بشكل تدريجي، وقد تحدثت بعض الصحف بحسرة شديدة عن هذا التحول الذي أصاب القصر وما آل إليه حاله. وفي عام ١٩٤٥ اُفتتحت مدرسة فونغمون الثانوية للبنات في القصر لتصبح من المعالم الرئيسة في هذه المنطقة، وظلت المدرسة تتخذ من القصر مقرا لها إلى أن انتقلت إلى منطقة كانغنام في سيول عام ٢٠١٧.
وأخيرا اشترت بلدية مدينة سيول أراضي القصر وأعادت تشكيل خمسة مبان مدرسية، وأنشأت مبنى استقبال ومبنى تقليديا من جديد بعد انتقال المدرسة من هناك. وأصبحت جميع المباني السبعة مترابطة ومتناغمة لتخلق أجواء أزقة بوكتشون القديمة.
موئل الراحة اليومية
الحديقة الداخلية لمبنى متحف الأطفال تشبه تلا متموجا بخطوط خرسانية متتالية تعزز التأثيرات البصرية. صمم هذا المكان الخارجي بارك يون-جين وكيم جيونغ-يون، وهما رئيسا شركة بارككيم لهندسة المناظر الطبيعية.
© كيم جونغ-أوه
لم تُبن حول المتحف جدران تفصله عن الأراضي المجاورة والمتاخمة له، لأن الهدف من المتحف هو أن يكون مكانا مفتوحا للجميع انطلاقا من شعار "الحرفة للجميع، المتحف للجميع"، لهذا يمكن أن تجد موظفي المكاتب القريبة يتجولون في حديقة المتحف بِحُريةٍ في وقت الغداء. في الحقيقة إن الحديقة التي تحيط بالمتحف جميلة في الفصول الأربعة جميعا، إذ تنتشر فيها أشجار السماق والخيزران والليسبيديزا والبرقوق وغيرها من الأشجار المختلفة وكذلك شجيرات الكوبية والروزا روجوزا. وللأطفال نصيب من المتحف، ففي هذا الموقع مبنى منفصل للأطفال يدعي "متحف الأطفال" يغطّيه بلاط التراكوتا بشكل أسطواني، ويخلق جوا جميلا يجمع بين العراقة والحداثة. ويطلّ المبنى على الساحة الخضراء.
وحيثما توجهت ترى في أماكن المتحف جميعا قطعا فنية للحرفيين الكوريين، ففي الفناء الأمامي لمبنى العرض الأول تجد حوالي ٣٠ كرسيا جميلا صنعها فنان الفخار إي غانغ-هيو باستخدام تقنية "بونتشيونغ" تغيير لون السيلادون إلى أزرق رمادي أو أصفر رمادي، حيث استوحى شكلها من "أونغّي" الأواني الفخارية التقليدية. وفي الأيام المشمسة ترى العديد من الزوار يجلسون على هذه الكراسي ويتجاذبون أطراف الحديث. وفي الحديقة الداخلية تنتصب شجرة جنكة مهيبة يقال إن عمرها يزيد على ٤٠٠ عام، والكراسي الحجرية المنحوتة الموزعة حولها من عمل الفنان نحات الحجارة إي جاي-سون، حيث يمكن للزوار استكشاف أحجار متنوعة من جميع أنحاء البلاد.
وفي كل المباني إبداعات لفنانين مشهورين، ففي ردهة مبنى الاستقبال قطع فخارية زرقاء صنعها الفنان إي هون-جيونغ الذي كان نجم هوليوود براد بيت من بين مشتري إبداعاته، الأمر الذي لفت انتباه رواد المتحف. وبالإضافة إلى ذلك فإن الحرف المصنوعة من الحجر والزجاج والطين والخيزران والراتنج وغيرها من المواد المختلفة تستقبل الزوار داخل المباني وخارجها، وتم صنع كل الإبداعات في إطار مشروع "أوبزيكتز ناين" الذي تم إقامته للاحتفال بذكرى يوم افتتاح المتحف. ويهدف المشروع إلى أن يبدأ الزوار في التمتع باكتشاف الحِرف المختلفة من اللحظة الأولى لدخولهم المتحف.
كل شيء عن الحِرف
"بوجاغي تحتضن الحياة اليومية" عرض دائم يقام في متحف سيول للفنون الحرفية. يتم فيه عرض قطع حرفية تقليدية ومعاصرة متبرع بها، حيث يكشف عن اتجاه المتحف الذي يسعى إلى تسليط الضوء على التاريخ والحياة اليومية من خلال الحرف.
التقديم: متحف سيول للفنون الحرفية
تم إنشاء "نافذة الحرف" في الطابق الأرضي من مبنى العرض الثالث لكي تظهر مقتنيات المتحف للذين يمرون أمام المبنى. هذه لقطة من عرض "الخيط والذات: الإحساس بالألوان والذات" الذي أقيم في هذه النافذة في ديسمبر عام ٢٠٢٢ لكي يعرض أعمال حرفة النسيج التي تثير ألوانُها عواطفَ متنوعة.
التقديم: متحف سيول للفنون الحرفية.
تلقي عروض المتحف إطلالة كاشفة على ماضي الفنون الحرفية الكورية وحاضرها، وفي الوقت ذاته تساعد على تحفيز فضول الزوار عن طريق تناول موضوعات لا تنفصل عن حياة الناس اليومية مع تعزيز وعي الجمهور بالحرف. وفي المبنيَيْن الأول والثاني يقام عرض دائم تحت اسم "الحرفيون، يجعلون العالم أفضل". وهذا العرض الذي يذهب عميقا في تاريخ الحرف يضم قطعا مختلفة تجعل الحياة اليومية مريحة من العصور القديمة إلى العصر الحديث، ويساعد المشاهدين على إدراك مقدار ما يصرفه الحرفي من الوقت والجهد في عمل كل قطعة فنية.
ويقام في المبنى الثالث عرض دائم بموضوعَيْن: "الزهور تتفتح في القطع المطرزة" و"بوجاغي تحتضن الحياة اليومية". ويضم العرض قطعا حرفية تبرع بها مؤسس متحف التطريز الكوري الراحل هيو دونغ-هوا وزوجته بارك يونغ-سوك. وتبرع الزوجان لبلدية مدينة سيول بأكثر من ٥ آلاف قطعة من الحرف التي جمعاها طوال حياتهما لكي يساهما بشكل كبير في افتتاح متحف سيول للفنون الحرفية. وأما التطريز فيعد من التقنيات الحرفية ووسائل التعبير التقليدية، ويسلّط الموضوع الأول الضوء على "بيونغفونغ" حواجز قابلة للطي في الغرفة مطرزة من وجهة نظر الرسام مع شرح أنماط التطريز وتقنياته. وبالنسبة إلى "بوجاغي" فإنها أقمشة تُستخدم عند تعبئة الأشياء وحملها. ويضم الموضوع الثاني كلا من الأقمشة الفاخرة التي كانت تُستخدم في القصر الملكي والأقمشة البسيطة التي كان يستخدمها عامة الناس في الحياة اليومية.
وإن العروض التي أقيمت في المتحف بدءا من عرض الافتتاح الخاص لأقراط الأذن، وحتى العديد من العروض أقيمت فيما بعد، تثير اهتمام الجمهور بشكل مستمر مع تناول موضوعات غير منفصلة عن الحياة. وفي عرض "الحرف والموضة" الذي ينتهي في أوائل أبريل القادم يمكن استكشاف العلاقة بين الفنون الحرفية والقطع الفنية لمصممي الأزياء من الجيل الأول في كوريا. ويسلط عرض "الغرفة المرجعية للإلهام" الذي يقام حتى نهاية مايو القادم الضوء على أعمال الفنان نجار الخشب تشوي سنغ-تشيون الذي يستوحي أعماله من الطبيعة.
ويتكون متحف سيول للفنون الحرفية من أماكن العرض المذكورة أعلاه، والمرافق التي يمكن فيها للزوار إدراك الثقافة الحرفية بطرق مختلفة، بما في ذلك المكتبة المخصصة للحرف اليدوية، وهي المكتبة الوحيدة من نوعها في كوريا. وما زلنا نتطلع إلى مزيد من الأنشطة في المتحف الذي يزدهر كمكان عام للأنشطة الثقافية وسط المدينة.
"بيونغفونغ" حواجز قابلة للطي في الغرفة، مطرزة بالزهور والطيور من وجهة نظر الرسام. هي من أعمال عرض دائم "الزهور تتفتح في القطع المطرزة".
التقديم: متحف سيول للفنون الحرفية
إي سوه-يونغ مراسلة مستقلة