تعكس الخطوط روح العصر والإحساس بالجمال والاتجاهات التقنية المعاصرة. وفي هذا السياق، نجد أن هناك أنواعا مختلفة من الخطوط الكورية ظهرت خلال حوالي ستة قرون منذ اختراع الهانغول وهي تعكس تغيرات العصر أيضا.
«خطاب الاحتفال بترميم معبد سانغ وون البوذي في منطقة بيونغ تشانغ»، عام 1464، مخطوط. هذا المخطوط يحتوي على الخطاب الذي كتبه الراهب البوذي سين مي الذي تم تعيينه ضمن كبار الرهبان آنذاك، بمشاركة الرهبان البوذيين الآخرين فيه، ورسالة الملك سيجونغ الذي أرسلها إلى المعبد مع بعض المواد الضرورية لعملية ترميم المعبد. واُكتشفت حتى الآن نسخته بالحروف الصينية ونسخته بالحروف الكورية وتُعد النسخة الكورية أقدم مخطوط مكتوب بالحروف الكورية. ويتسم الخط الذي اُستخدم في هذا المخطوط بالتوازن بين اليسار واليمين والعظمة التي تأتي من الخطوط التي كُتبت بقوة.
© متحف معبد وول جونغ البوذي
جزء من كتاب «هون مين جونغ ووم» الذي نُشر عام ١٤٤٦، يشير إلى أمثلة استخدام كل حرف كوري. يمكن أن نجد فيه الخط الكوري البسيط القوي وقت اختراع الحروف الكورية.
© مؤسسة غانسونغ للفنون والثقافة
وُلدت معظم أنظمة الحروف التي يستخدمها البشر حاليا من خلال تقليد أشكال الأشياء أو الطبيعة، إلا أن نظام الهانغول وُلد من المفهوم التجريدي الذي لا يمكن رؤيته بالعين. وتتكون الحروف الكورية من النقاط والخطوط الأفقية والعمودية وغيرها من الرموز الأكثر بساطة. وبخاصة، أشكال الحروف الصامتة فهي مصممة بناء على أشكال مخارج الأصوات مع إضافة الخط وفقا لخصائص أصواتها. وقال الكتاب "هون مين جونغ ووم" (١٤٤٦م) الذي سجل قواعد اختراع نظام الهانغول وكيفية استخدامه، "لكل صوت طبيعي حرف معين".
في البداية، تجاهل معظم الكوريين قيمة نظام الهانغول فلم يُعتبر نظاما رسميا للكتابة. وكان استخدامه يقتصر على النساء اللواتي كن يعملن في القصور الملكية والرهبان البوذيين. مع ذلك، ازدادت شعبيته تدريجيا بين عامة الناس بالتزامن مع ازدياد شعبية الروايات الكورية في أواخر عصر مملكة جوسون. ونتيجة لذلك، ظهرت أنواع مختلفة من الخطوط الكورية ذات الجمال الهيكلي.
الخطوط الأولى
يقول بعض علماء الببليوغرافيا إن الملك سيجونغ العظيم كان يفضّل الخطوط الصينية السميكة إلا أن نظام الهانغول الذي اخترعه يتكون من أشكال هندسية بسيطة للغاية، حيث يعطي الشكل المربع الذي تشكله مجموعة من الحروف الصامتة والصائتة شعورا بالعظمة وتثير الخطوط البسيطة الإحساس بالقوة والثبات. كما أن حرف "ㅇ" الذي يتخذ شكل دائرة كاملة يضيف متعة بصرية على ذلك.
إلا أن هذا الخط لم يُستخدم إلا في بعض الكتب التي نُشرت خلال فترة قصيرة بعد اختراع الهانغول. آنذاك، كان الكاتبون والخطاطون الكوريون يستخدمون فرشاة الحبر للكتابة. لذلك، كان من السهل تغيير سماكة الخط إلا أن رسم خطوط ذات سماكة متساوية كان صعبا للغاية. وربما لهذا السبب، تلاشى هذا الخط الذي كان يتسم بالبساطة التي تثير الشعور بالعظمة بشكل طبيعي.
تأثيرات الخطوط الصينية
في البداية، تطورت الخطوط الكورية متأثرة بالخطوط الصينية. بعبارة أخرى فإن الكاتبين والخطاطين الكوريين كانوا يكتبون الحروف الكورية بالطريقة الصينية التي كانوا يستخدمونها منذ زمن بعيد. فعلى سبيل المثال، كان الكوريون القدماء يكتبون الحروف الكورية على شكل مربع ويضعون مركز الثقل في الوسط حيث تمتد منه الخطوط بشكل مستقيم مثل خط هيسو الصيني الذي يتسم بالخطوط المستقيمة وتتشابه أشكال الحروف مع أشكال المربعات.
ومن أمثلة ذلك، مخطوط تركه الملك سيجو (فترة الحكم: ١٤٥٥-١٤٦٨م)، الابن الثاني للملك سيجونغ، في السنة العاشرة من عهده للاحتفال بترميم معبد سانغ وون البوذي في منطقة بيونغ تشانغ. كما أن إي غوي، السجلات الرسمية للمراسم الملكية في عصر مملكة جوسون، تعد خير مثال على ذلك لأن الخط الذي اُستخدم لكتابتها يتسم بالبساطة المنظمة. ومن المفترض أن الكوريين الذين كان خطهم جميلا كانوا يكتبون هذه السجلات التاريخية بخط شائع في ذلك العصر لأنها من السجلات الرسمية للمملكة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نجد الخط نفسه يتسم بوجود مركز الثقل في الوسط وتحقق أكثر قدر من التوازي بين الحروف، في كتاب "الأخلاق الخمسة" الذي نُشر في عهد الملك جونغ جو (فترة الحكم: ١٧٧٦-١٨٠٠م) ويحتوي على قصص الأشخاص الملتزمين بالمبادئ الأخلاقية الأساسية. ويبدو هذا الخط ناعما وقويا في آن واحد.
من جهة أخرى، كان خط هينغ سو الصيني يُستخدم لكتابة الحروف الكورية أيضا، وهو يتسم بوجود مركز الثقل في الوسط، مثل خط هيسو، ويعطي شعورا وكأن الحروف تُكتب بشكل سريع دون تردد. وفي هذا النوع من الخطوط، يمكن أن نشعر بالعظمة والقوة والبهاء والراحة التي تشكلها الحروف التي وُضعت في كتلة مربعة رغم أن مدى التناقض بين القوة والضعف متدنٍ نسبيا مقارنة بالحروف الصينية التي تُعد أكثر تعقيدا من الحروف الكورية. ويُشار إلى أن كلا من خط الملك هيو جونغ (فترة الحكم: ١٦٤٩-١٦٥٩م) وخط الكاتب يانغ سا-وون الذي كان مشهورا بخطه الجميل في القرن السادس عشر، يبدو قويا وحرا مثل خط هينغ سو الصيني.
رسالة كتبها الملك هيوجونغ (فترة الحكم: ١٦٤٩-١٦٥٩م)، وهو جزء من كتاب "مجموعة الرسائل للأميرة سوك ميونغ" الذي يحتوي على ٦٦ رسالة مكتوبة بالحروف الكورية حصلت عليها الأميرة سوك ميونغ، الابنة الثالثة للملك هيوجونغ، من أفراد عائلتها الملكية. ويشير خط هذه الرسائل إلى خصائص خط هينغ سو الصيني ويتسم بالحرية والقوة والجرأة. يُعد هذا الخط من الأمثلة التي تشير إلى تحول الخط الكوري الشائع من خط غو إلى خط غونغ في القرن السابع عشر.
© متحف تشونغ جو الوطني
خط غونغ
بعد أن أصبح نظام الهانغول نظام الكتابة الشعبي في شبه الجزيرة الكورية، بدأت تظهر الخطوط الكورية الأصلية المستقلة عن الخطوط الصينية. وخط غونغ خير مثال على ذلك. فقد أُطلق عليه اسم خط "غونغ" الذي يعني خط القصر، لأن الموظّفات في القصور الملكية كن يستخدمن هذا الخط كثيرا. كما أن هذا الخط كان يُسمى بـ"خط الرسائل" أيضا لأنه كان يُستخدم لكتابة الرسائل بشكل عام. ظهر هذا النوع من الخطوط الكورية في أواخر عصر مملكة جوسون ويستخدمه الشعب الكوري حتى الآن. ويتسم هذا الخط بالنعومة والزخرفة الفاخرة حيث يشكل الحرف الصامت أساسا ويحدد الحرف الصائت الثالث العرض، مما نتج عنه ظهور شريط واسع أو ضيق بين الحروف. وذلك يلعب الدور نفسه مع الخط الأساسي وطول حرف × الصغير في الخط اللاتيني.
من المفترض أنه مخطوط لشرح مجموعة «الكتب الأربعة للنساء» الصينية الذي ألفه العالم “إي دوك-سو” بالحروف الكورية بأمر الملك يونغ جو (فترة الحكم: ١٧٢٤-١٧٧٦م).
يتسم خط غونغ بوجود مركز الحروف في اليمين وتغير أشكال الحروف الصامتة وفقا لأنواع الحروف الصائتة التي تأتي بعدها. ويشير الخط الذي اُستخدم فيه إلى خصائص خط غونغ هذه ويتسم بالبساطة الجميلة التي يصنعها التوازن بين الحروف الصامتة والصائتة.
© متحف الهانغول الوطني
كانت بعض الموظفات اللواتي علمن في القصر الملكي يكتبن رسائل شخصية لأفراد العائلة الملكية فضلا عن الوثائق الرسمية. وهذا الخط هو للكاتبة “إي” التي كانت تعمل للملكة سين جونغ (١٨٠٨-١٨٩٠م)، والدة الملك هونجونغ، ويُعتبر نوعا من خط غونغ. يتسم خطها بحركات الفرشاة القوية والاختلاف في سماكة الخطوط ونسبها.
© المتحف الوطني الكوري
خط بانغ غاك
وُلد خط غونغ في القصور بينما وُلد خط بانغ غاك خارج أسوارها. في أوائل عصر مملكة جوسون، بدأت الروايات الكورية تحظى بشعبية كبيرة، مما أدى إلى ازدياد الحاجة إلى طباعة الكتب لأن المخطوطات التي تُكتب يدويا بفرشاة لم تكفِ لتلبية الطلب المتزايد عليها. وكانت هذه الكتب المطبوعة تُسمى بكتب "بانغ غاك" وكان الخط الذي يُستخدم فيها يُسمى "بانغ غاك". هذا الخط لم يكن أنيقا مثل الخطوط الأخرى التي ساهمت الحكومة في تطويرها لأنه كان يُستخدم لنقش الحروف على الصفائح بسرعة، إلا أنه يتسم بخشونة لطيفة.
رواية «أسطورة البطل هونغ غيل-دونغ»، أواخر عصر مملكة جوسون، طباعة بانغ غاك (نوع “غيونغ”).
تُعد هذه الرواية أول رواية مكتوبة بالحروف الكورية وألفها “هو غيون” (١٥٦٩-١٦١٨م) في منتصف عصر مملكة جوسون. وتسرد هذه الرواية قصة البطل الخيالي “هونغ غيل-دونغ” الذي يعاقب الفاسدين ويؤسس دولة مثالية. يُشار إلى أن الخط الذي اُستخدم في نوع “غيونغ” يتسم بالحروف الصغيرة وأشكالها الدقيقة الأنيقة.
© متحف الهانغول الوطني
خط “ديو وونغ” الذي كشفت عنه مصممة الخطوط ها هيونغ-وون عام ٢٠١٧. يعود أصل هذا الخط إلى الخط الذي اُستخدم في طباعة رواية "أسطورة ديو وونغ" التي نُشرت أوائل القرن العشرين وأضافت عليه المصممة ترجمتها الحديثة. هذا الخط مصمم للكتابة العمودية ويتسم بالحروف شبه المتصلة.
© ها هيونغ-وون
رواية «الحرب بين مملكتيْ تشو وهان»، أواخر عصر مملكة جوسون، طباعة بانغ غاك(نوع “وان”).الكتاب المطبوع لرواية «الحرب بين مملكتيْ تشو وهان» لمؤلف مجهول يتناول الحرب بين مملكة تشو الصينية التي كان يحكمها “هانغ وو” ومملكة هان الصينية التي كان يحكمها “يوبانغ”. ويُشار إلى أن كتب بانغ غاك التي طبعها ناشرون من القطاع الخاص في أواخر عصر مملكة جوسون منقسمة إلى نوع “غيونغ” الذي ُطبع في العاصمة ونوع “آنسونغ” الذي طُبع في مدينة آنسونغ الواقعة في محافظة غيونغ غي ونوع “وان” الذي طُبع في مدينة جونجو الواقعة في محافظة جولا الشمالية. ويتسم الخط الذي اُستخدم في نوع “وان” بالحروف الكبيرة والمستقيمة مثلما تشير إليه هذه الرواية المطبوعة.
© متحف الهانغول الوطني
خطوط كورية حديثة
منذ عام ١٩٤٥، بدأ المجتمع الكوري يحتك بشكل عميق بالثقافة الغربية وتحولت طريقة كتابة الحروف الكورية من الكتابة العمودية إلى الكتابة الأفقية، مما أدى إلى ظهور أنواع جديدة من الخطوط الكورية، ومنها خط "تال نيمو تول". وإذا كتبنا الحروف الكورية بهذا الخط، أمكننا أن نشعر بإيقاع نشط كالإيقاع الذي يصنعه الأطفال وهم يتقافزون على إيقاع ممتع.
مع ذلك، لم تشهد الخطوط الكورية ازدهارا خلال حوالي قرن كامل بسبب انهيار مملكة جوسون في أواخر القرن التاسع عشر والخراب والدمار الذي تركته الحرب الكورية عام ١٩٥٠، حيث كان المجتمع الكوري يعاني من مشاكل اجتماعية واقتصادية وانخفضت الحاجة إلى ابتداع أنواع مختلفة من الخطوط الكورية. لكن الخطوط الكورية بدأت تشهد تغيرا ملحوظا منذ التسعينيات من القرن الماضي نتيجة للاستقرار الاقتصادي وتحول المجتمع الكوري إلى مجتمع أكثر تنوعا. مع ذلك، أظن أن الكوريين في ذلك الوقت كانوا يسعون إلى تقليد الثقافات الغربية التي كانوا يعتبرونها أكثر تطورا من الثقافة الكورية. واليوم، بعد مرور عشرات السنوات منذ ذلك الحين، تظهر أنواع مختلفة من الخطوط الكورية على يد الجيل الجديد الذي لا يتردد في تجربة شيء جديد، وتلبس الخطوط الكورية القديمة لبوسا إبداعيا جديدا يعكس اتجاهات حديثة. أعتقد أننا سنشهد تطورا سريعا للخطوط الكورية في المستقبل بالتزامن مع العصر الرقمي.
منذ عام ١٩٤٥، بدأ المجتمع الكوري يحتك بشكل عميق بالثقافة الغربية وتحولت طريقة كتابة الحروف الكورية من الكتابة العمودية إلى الكتابة الأفقية، مما أدى إلى ظهور أنواع جديدة من الخطوط الكورية، ومنها خط "تال نيمو تول".
هذا الخط من نوع “بوري” الذي يعني خطوطا تتشابه أشكال حوافها مع شكل منقار الطيور، وهو آخر خط أصلي لمصمم الخطوط تشوي جونغ-هو الذي يُعد من رواد فن صياغة الخطوط في كوريا. كما أن هذا الخط ينتمي إلى نوع “جانغ” الذي يتسم بأن عرض الحروف العمودي أكبر من عرضها الأفقي. ويمكن أن نشعر بقوة وحيوية هذا الخط لأن حواف الحروف التي يتشابه شكلها مع شكل منقار الطيور كبيرة وحادة. وهذا الخط من الخطوط الأساسية لكتابة الحروف الكورية الحديثة.
© معهد إي جي لبحوث التيبوغرافيا
طرحه مصمم الغرافيك آن سام-يول عام ٢٠١١ ويتسم بالتباين الواضح بين الخطوط العمودية والخطوط الأفقية. طوره المصمم لاستخدامه في كتابة العناوين وتصبح خصائصه بارزة عندما يكون حجم الحروف كبيرا. حصل هذا الخط على جائزة من جوائز طوكيو تي دي سي السنوية لعام ٢٠١٣ ويُشير إلى إمكانية جمالية جديدة للحروف الكورية.
© آن سام-يول
يُعد خط آن سانغ-سو الذي طرحه مصمم الغرافيك آن سانغ-سو عام ١٩٨٥ من الأمثلة الجيدة على الخطوط التي لا تتبع تقاليد كتابة الحروف الكورية التي يتم ترتيبها في مربعات. لقد قام المصمم آن بتجارب متنوعة للتعبير عن بساطة الهانغول ومن أمثلتها خط مانو الذي كشف عنه عام ١٩٩٣ ويتسم بأن مساحة الحروف تتغير وفقا لعدد الخطوط المستخدمة. أما خط إي جو مانو ٢٠١٤ فإنه نسخة مطورة من خط مانو.
© معهد إي جي لبحوث التيبوغرافيا
طرحه مصمم الخطوط الكورية إي يونغ-جي عام ٢٠١٤ من خلال التمويل الجماعي. يعود أصل هذا الخط إلى الخط الذي اخترعه النحات الملكي باك غيونغ-سو في أوائل عام ١٩٠٠ وأضاف المصمم إي عليه ترجمته الحديثة لاستخدامه في كتابة العناوين عموديا. يتخذ هذا الخط هيكلة خط ميونغ جو وأما أشكال النقاط والخطوط فإنها تتشابه مع خط غونغ. أصبح هذا الخط معروفا بين الكوريين بعد ظهوره في عنوان ألبوم “غوت غالبي” للمغنية الكورية المشهورة آي يو.
© إي يونغ-جي
هذا الخط المصمم لكتابة العناوين يترك انطباعا كبيرا ويشير إلى روح التجربة الجريئة للمصممة هام مين-جو التي تعمل حاليا في ألمانيا وكشفت عنه عام ٢٠١٨. وذكرت أن ملصقات الأفلام الأجنبية التي رُسمت في كوريا في الخمسينيات من القرن الماضي ألهمتها فكرة هذا الخط.
© هام مين-جو
طرحه المصمم إي يونغ-جي عام ٢٠١٣ كجزء من تجربته للخروج من الإطار المربع الذي يُعد من الخصائص التقليدية للحروف الكورية. يتسم هذا الخط بتوسع مساحة الحروف وفقا لعدد الخطوط. ويمكن أن نشعر بإيقاع نشط من الحروف التي تُكتب بهذا الخط أفقيا.
© إي يونغ-جي