تزيّنت القصور الملكية الكورية بالمنحوتات والعناصر الزخرفية المختلفة. وتحتوي الأنماط المتنوعة، التي زينت الهياكل الحجرية والمكونات المعمارية مثل الجسور والمنصات والمداخن، على مُثُل السياسة الكونفوشيوسية وإجلال سلطة الملك وتعظيم العائلة الملكية وغيرها. وتتميز هذه المنحوتات والزخارف بالجمال التشكيلي الرائع بصريًّا، وتساعد على فهم وجهات نظر الناس الذين عاشوا في ذلك الحين عن القصر.
تماثيل بشرية وحيوانية مُثبتة على حافات سطح أحد مباني القصر لطرد الأرواح الشريرة واجتلاب السلام إلى القصر الملكي.
© هوه يو-جيونغ، وُنسبلاش
تزينت القصور الملكية بمختلف العناصر الزخرفية المعمارية التي تعبّر عن التمنيات بالاستقرار والسلام في المملكة والقيادة الرشيدة للملك وصحة أفراد العائلة الملكية وطول العمر لهم. والتماثيل والمنحوتات الحجرية والطينية والمعدنية مستوحاة من الأساطير والخرافات الشعبية الأمر الذي يعطينا لمحة عن الخيال التشكيلي للفنانيين الكوريين في ذلك العصر. وعلى وجه الخصوص يحتوي قصر غيونغبوك، وهو القصر الرئيس لمملكة جوسون، على مئات المنحوتات الحجرية، مما يجعله مكانا مثاليا للتعرف على رمزية الزخرفة المعمارية للقصر.
أمام البوابة الرئيسة لقصر غيونغبوك "غوانغهوامون" يقف تمثلان حجريان لـ"هايتشي"، وهو مخلوق أسطوري يمتلك الحكمة، فيعرف الصواب والخطأ، والخير والشر. ولهايتشي جسم مستدير مغطى بالحراشف، وأنف أفطس كبير، وعينان كبيرتان جاحظتان، وأنياب ومخالب طويلة. ويبدو بَشُوشا طيبا ترتسم على وجهه ابتسامة، وهو لا يشكل أي تهديد أو خطر على أحد، ويلتف جرس حول رقبته، ويتدلى الشعر إلى أسفل أذنيه حتى يصل إلى مؤخر عنقه. وعلى رأسه نتوء حلزوني الشكل يشبه قرن الغنم. ومن المعروف أن تمثال هايتشي نُحت أثناء إعادة بناء قصر غيونغبوك بين عامي ١٨٦٥ و١٨٦٧.
كان هايتشي يرمز إلى القانون والعدل في شرق آسيا، مثلما يرمز الميزان إلى العدل والقانون في الغرب. وعلى وجه الخصوص يرمز تمثال هايتشي القائم أمام البوابة الرئيسة للقصر إلى السياسة الكونفوشيوسية المثالية التي انتهجتها مملكة جوسون وإلى سلطة الملك. وكان أمام التمثال درج حجري حيث تكون المحطة الأخيرة للخيول، فتقف أمام التمثال ويترجّل الخيّالة عن صَهَوات خيولهم وينزلون باستعمال الدرج قبل الدخول إلى القصر.
حراس للعائلة الملكية
يربض تمثال حيوان على عمود في درابزين المنصة التي بُنيت عليها قاعة العرش في قصر غيونغبوك "غْنجيونغجيون". وتربض على كل عمود من أعمدة الدرابزين ثماثيل حيوانات ترمز إلى الجهات الأربع والفصول الأربعة، وأشهر السنة الاثني عشر أيضا.
© إدارة التراث الثقافي الكوري
بعد المرور من بوابة "غوانغهوا" يمكن أن نرى مجرى مائيا صغيرا، يسمّى "غمتشيون"، في الفناء بين بوابتَيْ "هنغراي" و"غنجيونغ". وفوق المجرى جسر حجري يسمّى "ييونغجيغيو"، وتَربض على درابزين الجسر عند الزوايا الأربع تماثيل صخرية للتنين، ويتصف جسد التنين بأنه مغطى بالحراشف، ويمسك بيديه كرة كان يُعتقد أنها تحقّق الرغبة وتُبَلّغ الأماني، وعلى رأسه قرنان، وفي ذقنه لحية طويلة. وتجلس هذه الكائنات الأربعة نحو الجزء الداخلي من الجسر، بحيث يبدو وكأنها تراقب المارّين على الجسر. والتنين يرمز إلى سلطة الملك ويحميها في آن واحد.
وعلى السور الحجري للجدول توجد منحوتات لأربعة حيوانات مقدسة تتشبّث بالحافة مع توجيه رأسها نحو الجدول، بحيث يبدو وكأنها على وشك القفز في الماء. ويستحوذ مظهرها الخارجي على إعجاب الزوار، مثل تلك القرون الثلاثية في الرأس، والحواجب الحلزونية الشكل، والأنف الكبير، والحراشف التي تغطي الجسد، والأصابع الثلاثة للقدم. وكان الناس الذين عاشوا في أواخر عهد مملكة جوسون يعتقدون بأنها "أيائل سماوية"، وهي من الكائنات الأسطورية الصينية. وكان الناس يعتقدون أنها تطرد الأرواح الشريرة عن المكان وتحرس القصر من سوء الحظ، وكذلك تساعد المسؤولين على تهيئة عقولهم وأمزجتهم قبل دخول القصر.
وما إن تعبر جسر "يونغجيه" حتى ترى بوابة "غنجيونغ" وجناح "غنجيونغ" اللذين يقعان في الساحة الرئيسة لقصر غيونغبوك. وجناح غنجيونغ هو قاعة العرش حيث كان الملوك يُتوجون ويتقبلون تهاني المسؤولين المدنيين والعسكريين ويُصدرون المراسيم المهمة. ولذلك فمن الطبيعي أن تجد أكبر عدد من تماثيل الحيوانات المقدسة، بما فيها تمثال طائر العنقاء، حول هذا الجناح. وعلى الطريق الذي مرت عليه مِحَفَّة الملك ثمة نحت لعنقائَيْنِ، وهما يحيطان بكرة كان يُعتقد أنها تحقق الرغبة. وهذا الكائن الأسطوري رمز آخر لسلطة الملك.
تمرّ مِحَفَّة الملك على الطريق المصمم خصيصا لها الذي يقع في منتصف الأدراج أمام بوابة "غْنجيونغ" لقصر غيونغبوك. وفي وسط هذا الطريق حجر مسطح منحدر نُحت عليه عنقاءان، ويربض على جانبي الطريق تمثلان لـ"هايتشي".
© إدارة التراث الثقافي الكوري
وتحتل تماثيل الحيوانات المختلفة درابزينات المنصة ذات الطبقتين التي تم بناء جناح غنجيونغ عليها. وفي الطبقة العلوية من المنصة هناك ثماثيل لحيوانات ترمز إلى الجهات الأربع والفصول الأربعة. وفي الطبقة السفلية من المنصة توجد تماثيل لحيوانات تمثّل الأشهر الاثني عشر. وعلى الرغم من أنه تم استبعاد بعض الحيوانات من بينها، فإن تماثيل حيوانات كثيرة قد أخذت مكانها على المنصة، ولم يكن ترتيب هذه التماثيل عشوائيا، بل إن مصمم المنصة راعى قوة الحيوان ورمزيته في ترتيب التماثيل على المنصة. ففي الزوايا الأمامية للمنصة تربض تماثيل حيوانات تشبه عائلة الأسد؛ الأسد واللبؤة والشبل. وترمز هذه الحيوانات الخيالية إلى الحكومة الرشيدة والحكم الصائب للملك. ويوجد على الطبقة العلوية من المنصة مِرْجل برونزي كبير بثلاث أرجل ومقبضَيْن، وهو بمثابة رمز لشرعية سلطة الملك منذ أقدم العصور.
عهد الملك السلمي
تحتل التماثيل الحيوانية المختلفة الساحات الرئيسة للقصر. والسبب وراء ذلك هو أنها تمثل جميع الكائنات التي تعيش في مكانها من الطبيعة، حيث تعكس مفهوم أن كل كائن سيكون على ما يرام في ظل الحكم الرشيد للملك. وكان يُعتقد أن الحيوانات الإلهية تحمي العائلة الملكية من جهة وترمز إلى العهد السلمي من جهة أخرى. ويمكن العثور على مثل هذه المنحوتات الحجرية في "كيونغهويرو"، وهو جناح للولائم الملكية بُني على جزيرة البركة الاصطناعية المربعة الكبيرة التي يزيد طولها على ١٠٠ متر. ويربط الجناحَ بأرض القصر ثلاثةُ جسور حجرية للدخول والخروج، وعلى درابزين الجسر منحوتات لحيوانات ولكائنات أسطورية أيضا، منها التنين والزرافة باعتبارهما رمزا للملك، وإيموغي وهو ثعبان أسطوري، وتشوأو وهو حيوان إلهي أسطوري باعتبارهما رمزا لولي العهد، والفيل وهاتشي باعتبارهما رمزا للمسؤولين الحكماء.
ومن ناحية أخرى تم اكتشاف تمثال تنين من البرونز أثناء القيام بأعمال تجريف البركة المحيطة بغيونغهويرو عام ١٩٩٧ ويبلغ طوله١. ٥ متر ووزنه ٦٦. ٥ كيلوغرام تقريبا. ويفترض أنه وُضع هناك لحماية القصر من الحرائق، لأنه كان يُعتقد أن الكائن المقدس الذي يرمز إلى الملك له القدرة على التحكم في المياه والأمطار. وهذا التمثال معروض الآن في متحف القصر الوطني الكوري.
وكان هناك مراجل كبيرة من الحديد "دْمو" وتم تثبيت كل منها على ثلاث ركائز حجرية في الجانبين الأيمن والأيسر على الطبقة السفلية من المنصة حول جناح غنجيونغ. وكانت هذه المراجل مملوءة بالماء دائما حتى يمكن استخدامها لإخماد الحرائق إن حصلت. وفي الشتاء كان يتم إشعال النار بين الركائز الحجرية لمنع الماء من التجمد. كما كانت المراجل تحتوي على دلالات هزْلية لطرد شيطان النار، حيث كان يُعتقد أن الشيطان عندما يقترب من المرجل المملوء بالماء تنعكس صورته على صفحة الماء فيذهل عند رؤية وجهه فيخاف ويهرب.
وبصرف النظر عن المنحوتات فإن الهندسة المعمارية للقصر غنية بالزخارف الرمزية. وتلفت أنظارنا إلى البلاط الزخرفي الكبير تلك النتوء التي تبرز عند الطرفين الأيمن والأيسر من أعلى الحافات الأفقية لسطح جناح غنجيونغ. وفي العصور القديمة كانت النتوء على شكل ذيل طائر أو رأسه، ولكن في عهد مملكة جوسون كان يُنحت على شكل تنين. وكانت رمزا آخر لسلطة الملك وفي ذات الوقت احتوت على معنى شاماني لمنع الحريق. كما تم وضع تماثيل إلهية مختلفة على الحافات الأخرى لسطح الجناح حيث تهزم الأرواح الشريرة والوحوش. لذلك تقوم هذه التماثيل بدور كبير في منع سوء الحظ. وتم تثبيتها فقط على أسطح أجنحة القصور وأبنيتها الرئيسة في عهد مملكة جوسون لأنها ترمز إلى سلطة العائلة الملكية. ويختلف عدد التماثيل بحسب أهمية المبنى. ولا تزال سبعة تماثيل موجودة على كل من السطحين العلوي والسفلي لجناح غنجيونغ، ولكن تشير الدراسات إلى أن عدد التماثيل التي كانت على السطح أكثر من العدد الموجود حاليا.
رموز لطول العمر
تُزيّن جوانب مداخن الحديقة التي تقع خلف "غيوتايجيون"، وهو مقر إقامة الملكة في قصر غيونغبوك منحوتات الرموز العشرة لطول العمر التي تعرف باسم "سيبجانغساينغ" والنباتات الأربع النبيلة التي تعرف باسم "ساغونزا".
© غيتي إيميجز كوريا
يقع خلف "غانغنيونغجيون"؛ مقر إقامة الملك، "غيوتايجيون"؛ مقر إقامة الملكة، وخلف المقر الأخير توجد حديقة تسمّى "آميسان". وتتكون الحديقة الخلفية من أَسِرَّة زهور ذات أربع طبقات تم إنشاؤها بتكديس الحجارة على شكل أدراج، وعلى أَسِرَّة الزهور أحواض حجرية وصخور غريبة الشكل ونباتات متنوعة. وتم تركيب مداخن من الطوب الأحمر على شكل سداسي متصلة بفرن غيوتايجيون على الطبقة الثالثة من أَسِرَّة الزهور. وعلى كل جانب من الجوانب الستة للمداخن تصميمات زخرفية تعبّر عن التمنيات بتمام صحة العائلة الملكية وطول العمر لأفرادها. والجوانب الستة للمداخن عليها منحوتات للرموز العشرة لطول العمر التي تعرف باسم "سيبجانغساينغ"، وهي الشمس والجبل والسحاب والصخور والصنبور وغيرها والنباتات الأربع النبيلة التي تعرف باسم "ساغونزا"، وهي البرقوق والأوركيد والأقحوان والخيزران في الوسط، إلى جانب اليحمور والخفاشيات والجِمال والعنقاء وغيرها في الجزأين العلوي والسفلي. وعلى المداخن أسطح قرميدية وأربعة ثقوب ينبعث منها الدخان، وجمالها التشكيلي رائع جدا.
وفي الجهة الشرقية من غيوتايجيون يقع "جاكيونغجيون"، مقر إقامة أم الملك، والذي يحاط بالجدران المنحوتة بالزهور التي تعبّر عن طول العمر. وتم تركيب مدخنة مستطيلة الشكل وبارزة قليلا باعتبارها جزءًا من الجدار. وتزينت هذه المدخنة أيضا بالرموز العشرة لطول العمر وغيرها من الرموز الأخرى، وهي عناصر الطبيعة، الشمس والجبل والسحاب والصخور وغيرها، ونباتات الخيزران والصنوبر وعشب الخلود والأقحوان واللوتس والعنب وغيرها، وحيوانات الكركي واليحمور والسلحفاة وغيرها. ولا يعد اللوتس والعنب من الرموز العشرة، لكنهما ترمزان إلى زيادة النسل. وفوق الرموز وتحتها حيوانات مختلفة كان يُعتقد أنها تمنع سوء الحظ وتجلب السعد، منها الخفاشيات التي ترمز إلى الثروة والشرف.
وتمثل مختلف المنحوتات والتماثيل الحيوانية والنباتية في الساحات الواسعة لقصر غيونغبوك تطلعات العائلة الملكية المختلفة، من التطلعات السياسية وحتى الأماني والتطلعات الشخصية. وكان يُعتقد أنها تمنع الحرائق والكوارث الأخرى وتصحّح مواقف المسؤولين السياسيين، وبالإضافة إلى ذلك فإنها تعبّر عن التمنيات بطول العمر. ونظرا لأن معظم هذه المنحوتات كان محظورا على عامة الناس استعمالها، فإنها أكدت سلطة الملك بذاتها وصوّرت العهد السلمي الرشيد للملك. ومع ذلك تتميز مظاهرها بتعبيرات هزلية، ليست جامدة ولا متغطرسة.
لي غانغ-مين أستاذ الهندسة المعمارية بجامعة كوريا الوطنية للفنون