مقهى الدراسة هو عبارة عن مساحة يمكنك فيها الدراسة أو العمل بحرية وأثناء ذلك تناول مشروبات أو وجبات طعام خفيفة. ويدرس الكثير من الناس هناك بمفردهم أو على شكل مجموعات. هذه الأماكن بدأت في الظهور منذ حوالي 10 سنوات ونمت شعبيتها بشكل متزايد وسط استمرار جائحة كوفيد 19.
تعد مقاهي الدراسة التي بدأت تظهر في المدن الكبرى في جميع أنحاء البلاد منذ حوالي 10 سنوات، محلات تجارية توفر مساحات للدراسة والمُدارَسَة. وتحتوي معظم مقاهي الدراسة على شاشات شفافة تكون على مستوى ارتفاع الرأس، لذا فهي بيئة تعزز التركيز مع تقليل الشعور بالعزلة. وفي البداية، كان الشباب من طلاب المدارس المتوسطة والثانوية إلى جانب طلاب الجامعات والطلاب الباحثين عن عمل هم العملاء الرئيسيون لها، ولكن الفئة العمرية للعملاء توسعت تدريجيا.
© تريسيس
عندما أُغلقت المكتبات الجامعية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، أخذت "بارك جونغ-أون" الطالبة التي تدرس العلوم السياسية في جامعة "إن ها" في مدينة إنتشون، تتوجه إلى مقهى الدراسة الذي يُعَد واحدا من الأنواع الجديدة من المساحات التجارية التي ازدهرت خلال جائحة كورونا الحالية. وكانت الضوضاء المحيطة بالمقهى تبدو غريبة في البداية، ولكن "بارك" تعوّدت الآن على هذه البيئة الجديدة للدراسة أكثر مما كانت تتوقعه في السابق.
تعمل معظم مقاهي الدراسة كمتاجر دون موظفين، وتحاول زيادة القدرة التنافسية من خلال تقديم خصائصها كأماكن للدراسة في المقام الأول، ومع ذلك، هناك أيضا العديد من المقاهي التي تقدم الوجبات الخفيفة والمشروبات والحلويات. وتقوم أيضا بتطوير وبيع قوائم الطعام الخاصة بهم لكل موسم.
© ذا نيو وايز
قالت "بارك""لقد تكيّفت تدريجيا مع البيئة الجديدة للدراسة على الرغم من بعض القيود على الحركة هناك"، و"لقد أصبح هذا النوع من المقاهي مكانا مفضّلا لي لكونه يساعدني على التركيز بشكل أفضل. وبالطبع، آمل في أن يتحسن الوضع الوبائي وأتمكن من استخدام مكتبة جامعتي في أقرب فرصة ممكنة. ولكن حتى ذلك الحين، أعتقد أنني سأظل أستخدم مثل هذا المقهى مع أصدقائي".
إن مقهى الدراسة يعد مكانا يختلط فيه مفهوم "دوك سو شيل" الذي يعني بالكورية "غرفة القراءة"، ولكنه في الواقع "مساحة تجارية للدراسة"، أو أنه يعني عمليا المقهى العادي. ومعظم هذه المقاهي ليس لديها موظفون، بل يستأجر رواد المقهى أو الزبائن مقدارا ثابتا من الوقت من خلال كشك موجود في المقهى، ويتم فحص درجة حرارة الداخلين بواسطة ماسح ضوئي تلقائي قبل الدخول. إنهم أحرار في الجلوس في أي مكان وعندما ينتهي الوقت الذي استأجروه، تنقطع الكهرباء في محطة العمل الخاصة بهم. وإذا أرادوا أن يمددوا الوقت المستأجر، فما عليهم إلا إعادة شحن حساباتهم عبر الكشك.
وفي المتوسط، يوجد حوالي 50 إلى 100 مقعد في كل طابق. بينما توجد مساحة بها طاولات طويلة يتم مشاركتها مع أشخاص آخرين، وثمة غرف منفصلة للاجتماعات عبر الإنترنت أو للاجتماعات وجها لوجه. وفي بعض الحالات، توجد مقاعد بطاولة واحدة ضيقة لا تكاد تكفي لاستعمال شخص بمفرده، كما توجد أماكن بها مقاعد مرتفعة على طاولة ضيقة مثل النافذة في المقهى. كما توجد حجرات حيث يمكنك الدراسة فيها بمفردك لها باب يمكنك إغلاقه. ويمكن لأولئك الذين يستخدمون أجهزة حاسوب محمول الذهاب إلى "منطقة الحاسوب المحمول" داخل المقهى، والتي لا تعترض على الضجيج الذي تثيره لوحة المفاتيح. ووفقا لبحث مكثف، فإن الضوضاء البيضاء تعمل على تحسين التركيز وأداء المهام، وهنا يكمن الفرق الرئيس بين مقهى الدراسة و"دوك سو شيل" التقليدي في كوريا. حيث يتم تشغيل الأصوات الطبيعية مثل المياه المتدفقة بلطف والنسيم العليل بشكل مستمر من خلال أنظمة مكبرات الصوت.
زيادة دراماتيكية
عندما ظهرت مقاهي الدراسة لأول مرة قبل حوالي 10 سنوات، كان معظم عملائها من طلاب المدارس الثانوية والشباب الباحثين عن عمل. ووسط انتشار جائحة كورونا، أغلقت المكتبات الجامعية والعامة، مما جعل من الصعب العثور على مكان هادئ للدراسة. وأجبر هذا الوضع طلاب الجامعات والعاملين في المكاتب على البحث عن أماكن جديدة.
وسرعان ما اجتذبت هذه الظاهرة الجديدة انتباه استراتيجيي الشركات وأصحاب الامتياز الناشئين، مما أدى إلى التدافع لفتح مقاهي الدراسة. ولقد أصبحوا الآن من قادة الشركات الناشئة الجديدة. وبحلول شهر فبراير 2021، كان هناك 40,824 مقهى للدراسة في جميع أنحاء كوريا، وذلك بزيادة 18% عما كان عليه في عام 2020، مع عدم ظهور أية علامات على تراجع جائحة كورونا.
وظهرت مقاهي الدراسة التي تسهل إدارتها بتكاليف عمالة منخفضة، حيث يتم تنشيط الأنظمة غير المباشرة، كعنصر جديد في سوق الشركات الناشئة. ويقول "يون هيونغ-جون"، الرئيس التنفيذي لشركة "تريسيس"، التي تدير امتياز "مقهى الدراسة الأساسية"، إن "مقاهي الدراسة التي شهدت زيادة كبيرة في عدد الشركات ذات الصلة منذ العام الماضي، لديها كثافة عمالة منخفضة، يمكن أن توفر التكاليف، وتعد مشروعا مناسبا لمبتدئي الإدارة، لكون الطلب عليه ثابت".
وافتتحت "كيم شين-إيه" مقهى "تريسيس" بالامتياز في مدينة غويانغ بمحافظة غيونغّي في فبراير 2021. وفي الوقت الذي كانت فيه الجائحة في ذروتها في كوريا، وكانت صاحبة المقهى الوحيد للدراسة في حيها، وتم افتتاح 10 مقاهٍ أو أكثر في الأشهر التالية.
وتقول "كيم" إن "مقهى دراسة جديدا يفتتح كل شهر تقريبا، ومن المتوقع أن تستمر الشعبية الحالية لمقاهي الدراسة إلى حد ما، حتى بعد انتهاء الجائحة، وسوف يتمتع هذا القطاع بشعبية كبيرة. وسيكون هناك إمداد مستمر من الطلاب، وستظل مقاهي الدراسة جذابة بالنسبة لهم. وفي ظل الظروف الحالية، سيتعين على كل صاحب المقهى الحفاظ على قدرته التنافسية".
وقبل بدء مشروعها بالامتياز، أمضت "كيم" 16 عاما في إدارة نوع آخر من الأكاديميات الخاصة لما بعد المدرسة في سيول العاصمة. ومع ذلك، يعتبر مقهى الدراسة أقل إرهاقا، ولا يحتاج إلى التعامل المباشر مع الكثير من الناس. ولكن هناك المزيد من العمل البدني الذي يجب القيام به، مثل إعادة تعبئة آلة المياه الغازية وعربة القهوة كل صباح ومساء، إلى جانب التنظيف. وإلى أن دخلت أنظمة التباعد الاجتماعي حيز التنفيذ، كان مقهاها مفتوحا على مدار 24 ساعة كل يوم.
وتقول: "في الوقت الحالي، يُغلق المقهى في الساعة 10 مساءً، ولذا فقد انخفضت المبيعات كثيرا، ولكن مقارنةً بالوقت الذي كان مفتوحا فيه 24 ساعة، كانت المبيعات أفضل من إدارة الأكاديمية الخاصة. وأعتقد أنه أمر جيد أنني غيرت عملي السابق".
إن تأثير جائحة كورونا لم يقتصر على زيادة شعبية مقاهي الدراسة، بل تجاوز ذلك ليؤدي إلى تحول جذري في طرق التدريس والتعلم.
ثقافة الدراسة
بالطبع، ليس وضع كورونا هو السبب الوحيد الذي جعل مقاهي الدراسة تحظى بشعبية كبيرة. ويمكن فهم هذه الظاهرة بسهولة، إذا نظرت إليه من زاوية ثقافة الدراسة في كوريا، والتي تغيرت بشكل تدريجي على مر السنين.
وإذا كنت كوريًّا في الثلاثينيات من عمرك فأكثر، فإن المكان الذي كنت قد زرته مرة واحدة على الأقل في فترة الدراسة، هو "دوك سو شيل" أي "غرفة القراءة الخاصة". في حين أن "دوك سو شيل" الموجودة في كل حي، هي مساحة تعلم يديرها الأفراد، فإن غرفة القراءة التابعة للمكتبة هي مساحة تعلم عامة. وتتمتع غرفة القراءة في المكتبة بجو هادئ مشابه لجو غرفة القراءة الخاصة، ولذلك حتى صوت فتح الباب وإغلاقه يكون مزعجا بالنسبة إلى بعض مستخدميها. في الواقع، فوفقا لاستطلاع شمل 120 طالبا في جامعة "جون نام" الوطنية الكورية عام 2010، بشأن الضوضاء التي تحدث في غرفة القراءة بالمكتبة في الجامعة، أجاب 1.7% فقط من المستجوبين بأنهم لا يشعرون بالإزعاج بسبب الضوضاء. وعلى الجانب الآخر، قال أكثر من ثلث المستجوبين إن الضوضاء تسبب لهم ارتفاعا في ضغط الدم وعسرا في الهضم وحتى اضطرابا في النوم.
ويمكن القول إن هذه الظاهرة امتداد لثقافة التعلم الكورية، والتي كانت تركز على الحفظ في بيئة هادئة لفترة طويلة. وخلال عهد مملكة جوسون (1392-1910)، كان الشباب الذين يستعدون لامتحانات الخدمة المدنية يقومون بعزل أنفسهم في الغرف الخلفية للمعابد البوذية في الجبال لحفظ النصوص الكلاسيكية. وحتى اليوم، يجد الكثير من الناس، مثل طلاب الجامعات وموظفي الخدمة المدنية والباحثين عن عمل، مكانا خاصا بهم للدراسة. وهناك العديد من الأشخاص الذين يحاولون التركيز أكثر على دراستهم، من خلال الانتقال إلى منطقة سكنية تسمى بـ"غو شي تشون" وتعني حرفيا باللغة الكورية "قرية الامتحان" حيث يعيش فيها الأشخاص الذين يستعدون للامتحانات.
ومع ذلك، منذ عام 2010، يتغير شكل الدراسة شيئا فشيئا. وعلى سبيل المثال، في الجامعات، انخفضت نسبة الاختبارات النصفية والنهائية وزادت نسبة "الواجبات الجماعية". وهذا يعني أن عملية تحديد المهام وحل المشكلات بدأت تصبح أكثر أهمية من مجرد قراءة المشكلات وحلها. ولم يعد حفظ الطالب والدراسة بمفرده في مكان هادئ كل شيء في الدراسة. فهناك حاجة إلى مساحة للدراسة حيث يمكن للعديد من الأشخاص الاختلاط والتحدث والمناقشة معا. وربما كان أمرا طبيعيا مغادرة الطلاب غرفة القراءة أو المكتبة، والذهاب إلى مقهى الدراسة حيث لا تُمنع الضوضاء ويُسمح للطلاب بتبادل الأحاديث بِحُرية.
عندما تدخل الغرفة بعد دفع أجرة الاستئجار، يمكنك اختيار واستخدام الطاولات المفتوحة أو المقاعد بِحُريّة. وتحتوي معظم الطاولات على منفذ أو مَقْبَس داخلي، حتى تتمكن من الدراسة باستخدام حاسوب لوحي أو حاسوب محمول.
© آي إن جي ستوري
الجو المثالي
في الوقت الذي تقوم فيه بعض مقاهي الدراسة ببيع المأكولات أو المشروبات التي طورها أصحابها، فغالبًا ما تُقدم وجبات خفيفة ومشروبات مجانية في مقاهي الدراسة الواقعة بالقرب من المدارس حيث العملاء الرئيسيون من الطلاب.
© تريسيس
وعلى الجانب الآخر، ازدهرت المقاهي العامة أيضا، حيث ظهرت كلمات جديدة تشير إلى هذه الظاهرة مثل كلمة "كوفيس" وهي كلمة منحوتة من كلمتي قهوة ومكتب باللغة الإنجليزية، إلى جانب تعبير "شعب كا غونغ" وتعني باللغة الكورية مقهى ودراسة من يذاكرون في المقاهي.
ومع ذلك، بالمقارنة مع المقاهي التي تبيع المشروبات بشكل أساسي في جو مفتوح للغاية، فإن مقهى الدراسة هو مكان يحقق توازنا معتدلا بين المقهى العام وقاعة القراءة. وأكثر العناصر التي تظهر هذه الخصائص، هو "آلة إنتاج الضوضاء البيضاء". علما بأن الضوضاء البيضاء التي تتدفق عبر السماعات هي جهاز رمزي لمقهى الدراسة يعزز التركيز ويمنح الحرية.
وفي الواقع، مقهى الدراسة هو مكان لا يزوره الشباب فحسب، بل يزوره أيضا روّاد من مختلف الفئات العمرية. وتقول "كيم شين-إيه" صاحبة المقهى "بالطبع، العديد من العملاء هم طلاب أو موظفون، ولكن هناك أيضا الكثير من كبار السن. ويبدو أن الفئة العمرية التي تدرس للتركيز على التطوير الذاتي أو للحصول على شهادات مختلفة، أصبحت أكثر تنوعا. ومنذ بدأ مقهى الدراسة بالظهور، اختفت الصورة النمطية بأن الشباب فقط هم من يدرسون".
وكانت "لي سو-مي" البالغة من العمر 28 عاما، والتي تعيش في مابو-غو، سيول، وتعمل مصممة محتوى لشركة أجنبية، تشعر بالضيق أثناء عملها في المنزل منذ تفشي جائحة كورونا. وقد زادت ساعات العمل عن بُعد بشكل كبير، ولكن عمل "لي" في المنزل مع أسرتها غير مريح، ولم تزد كفاءة عملها بسبب المساحة المحدودة المتاحة. لقد كانت تعمل عن بعد في المقهى لعدة أشهر، ولم تلاحظ أنها تشغل مقعدا مع المشروبات فقط، ولكن وجدت أيضا أنه من الصعب العثور على مقهى مناسب في أيام مؤتمرات الفيديو. أما مقهى الدراسة بالنسبة إلى "لي"، فقد كان بمثابة عالم جديد، حيث تمكنت من العمل بهدوء، وعندما يكون هناك مؤتمر فيديو، كان بإمكانها استخدام غرفة بمفردها وعقد اجتماع بكل هدوء وراحة بال. ويعتبر السعر المنخفض ونظام الدفع اليومي ميزة بالنسبة لها.
كيم هيو-جونغ مراسلة ويكلي جوسون