على الرغم من نشأتهم مع الكاميرات الرقمية وصور السيلفي، فإن الشباب الكوريين يميلون إلى شيء قديم ظهر لأول مرة قبل ما يقرب من ١٠٠ عام، ذلك هو كشك الصور الذي ينتج شريطا صغيرا من الصور التناظرية.
غالبا ما يسجل الطلاب والشباب لحظاتهم الخاصة بعضهم مع بعض في أربع صور.
في أواخر التسعينيات، كان الشباب الكوريون يحبون “الصور اللاصقة” وهي صور صغيرة مطبوعة على شكل ملصق، حيث كان العشاق والمجموعات المكونة من ثلاثة أو أربعة من الأصدقاء يذهبون إلى أكشاك التصوير الواقعة في زوايا الشوارع لالتقاط صور لاصقة بغرض تخليد حبهم وصداقتهم، ثم يزيّنون المحافظ أو المذكرات أو سلاسل المفاتيح بتلك الصور. كانت هذه الصور اللاصقة ثقافة شائعة جدا بين الشباب الكوريين، لدرجة أن العديد منهم قاموا بمسحها ضوئيا ونشرها على حساباتهم الخاصة في موقع “سايورلد”، وهو خدمة شبكة اجتماعية كورية شهيرة سبقت الفيسبوك وغيره.
تم افتتاح فرع “أربع قطع من الحياة” في شارع شينتشون بسيول، والذي يضم العديد من الجامعات. ويتميز هذا الاستوديو بلافتات رقمية مما يعطي الانطباع بالتكنولوجيا الرقمية المتكاملة.
© لايف فور كوتس
ومع بداية الألفية الجديدة، أسدلت الكاميرات الرقمية وكاميرات الهواتف الذكية الستار على عصر الصور اللاصقة، وأصبح من الممكن تسجيل اللحظات الثمينة في أي وقت وفي أي مكان باستخدام الأجهزة الرقمية. وبدت أكشاك التصوير في الشوارع، التي ظهرت لأول مرة في نيويورك في العشرينيات القرن الماضي، وكأنها ستختفي بعد فترة. وباختصار، ترك الناس الطريقة التناظرية وهجروها وحلت محلها الطريقة الرقمية. ومع ذلك، ظهر بعض الناس الذين ما زالوا يتشبثون بطريقة التسجيل التناظري هذه.
يرى جيل “إم زد(MZ)”، الذي يشير إلى أولئك الذين ولدوا بين عامي ١٩٨١ و٢٠٠٥، وبلغوا سن الرشد باستخدام أجهزة الكمبيوتر والأجهزة المحمولة، أن أي شيء تناظري لديهم هو مرادف لكلمة “جديد”، حيث أصبحت الصور اللاصقة رائجة وتم تجديدها وتصنيفها باسم “القطع الأربع من الحياة”، ويرى التقاط صورة صغيرة الحجم على أربعة إطارات في كشك تصوير فوري بتكلفة حوالي ٤,٠٠٠ وون، جزءا من الترفيه للشباب هذه الأيام عند مقابلة الأصدقاء. وهكذا، يُعرف شباب جيل “إم زد” باسم عشاق “فوتو بريس”، وهذا يعني أنهم يفضلون التعبير عن أنفسهم من خلال الصور.
يصطف العملاء للاحتفال بافتتاح فرع “أربع قطع من الحياة” الجديد في شارع ميونغمول في حي شينتشون.
© لايف فور كوتس
تتغير الاتجاهات في كوريا بسرعة، وهي أقصر وأسرع بكثير خاصة بين جيل “إم زد” مقارنة مع الأجيال السابقة. ولكن حتى الآن، لا تُظهر شعبية التصوير الفوتوغرافي أي علامة على التراجع. نعم لقد توقفت شعبيته مؤقتاً بسبب كوفيد-١٩، ولكن الطلب عليه ازداد بشكل أكبر منذ نهاية حقبة كورونا.
ولقد بدأ هذا الاتجاه قبل الوباء، في الأحياء التي يتجمع فيها الكثير من الشباب مثل هونغداي وأبغوجونغ في سيول. كان شباب جيل “إم زد” يقف أمام أكشاك التصوير في طوابير طويلة رغم الظروف الجوية غير المواتية أحيانا، سواء كان ذلك في ذروة الصيف أو في زمهرير الشتاء، مما جذب انتباه الشركات الناشئة، وسرعان ما انتشرت أكشاك التصوير من جديد في جميع أنحاء سيول وخارجها.
أكثر متعة من مجرد التقاط الصور
تقوم متاجر كشك الصور بتعبئة أرففها بشعر مستعار ودعائم وملحقات مضحكة للعملاء الذين يرغبون في محاكاة شخصية مرحة في صورة جماعية.
© لايف فور كوتس
تستحوذ علامة “أربع قطع من الحياة”(لايف فور كوتس) التي تديرها شركة “إل كي فينتشورز”، على نصيب الأسد من سوق أكشاك الصور. وحصل الرئيس التنفيذي للشركة “لي هو-إيك”، على الفكرة من أكشاك صور جوازات السفر الفورية الموجودة في محطات مترو الأنفاق في سيول. وقال “لقد خطر لي أن الصور اللاصقة سوف تنال إعجاب الشباب من جيل “إم زد”، الذين يستمتعون بالتعبير عن أنفسهم من خلال الصور ومشاركة السجلات الخاصة بأنشطتهم على الإنستغرام”.
وتجاوز العدد التراكمي للصور اللاصقة، التي تم التقاطها في أكشاك علامة “القطع الأربع من الحياة” مئة مليون في يناير ٢٠٢٣، بعد خمس سنوات على إطلاقها، مع ٢ إلى ٢.٣ مليون شخص يلتقطون هذه الصور في المتوسط الشهري. واعتباراً من أوائل هذا العام، حققت علامة “القطع الأربع من الحياة” قفزة رائعة إلى الأسواق في تسعة بلدان، بما في ذلك المملكة المتحدة، حيث تم افتتاح فرعها في “سوهو” بلندن تحت الاسم التجاري “لايف فور كوتس”. وتعرض الشركة إعلانات تقول إن بإمكان أي شخص الاحتفاظ بأكثر اللحظات التي لا تنسى في حياته على شريط من الصور صغيرة الحجم.
وفي كوريا، هناك حوالي ٤٠ علامة تجارية تقدم خدمة التقاط أربع صور صغيرة على شريط واحد. وهناك الآلاف من محلات التصوير في جميع أنحاء البلاد، من أكشاك الصور المستقلة إلى المتاجر التي تتكون من أكشاك التصوير المختلفة.
لقد طورت بعض الشركات أكشاك تصوير تابعة لها إلى نوع من الملاعب سهلة الاستخدام، فصارت تحتوي على أرفف مليئة بالشعر المستعار المضحك والدعائم والإكسسوارات، حيث يمكن للعملاء تنزيل الصور من آلة التصوير باستخدام رموز الاستجابة السريعة، حتى يتمكنوا لاحقا من إعادة ترتيب الصور عبر الإنترنت. ولا تستغرق طباعة شريط واحد من الصور أكثر من ٣٠ ثانية، مما يلبي متطلبات جيل “إم زد”، الذي يفضل مقاطع الفيديو القصيرة جدا مثل “شورتش” على اليوتيوب. وبعد طباعة شرائط صور متعددة، غالبا ما يترك المستخدمون واحدة منها على حائط المتجر. وبالإضافة إلى الآلات المستقلة، أقامت العديد من شركات التصوير أكشاكا في المتاجر المنبثقة والمعارض الخاصة.
الانسجام بين الانترنت وغير المتصل
بالإضافة إلى التقاط الصور، يمكن تنزيل الصور ومقاطع الفيديو المسجلة أثناء التقاط الصور عبر استخدام رمز الاستجابة السريعة. كما يمكن تسجيل الصور التي تم تنزيلها في التطبيق وتزيينها بإطار آخر، مما يزيد من المتعة.
هناك ابتكارات وتقنيات جديدة تظهر في العالم باستمرار لاكتساب ميزة تنافسية. ويجرب محبو الصور اللاصقة بانتظام أكشاك التصوير المختلفة. وتقوم علامة “مونو مانشيون” بتشغيل آلة تقوم بطباعة الصور بألوان وتصميمات مختلفة، مثل الأمواج وأزهار الكرز والمروج الخضراء، بحيث يشعر العملاء وكأنهم في نزهة.
وتركز بعض العلامات التجارية على تعزيز العنصر الجمالي، لذلك تعتبر “ذا فيلم” علامة تجارية جذابة للمراهقين والشباب في العشرينيات من العمر، والذين يستمتعون بتزيين مذكراتهم، من خلال توفير أنواع مختلفة من الورق يمكن طباعة الصور عليه. وفي البداية، لم تقدم “القطع الأربع من الحياة” سوى خيارات أساسية بسيطة للصور، ولكن الآن يمكن لعملائها استخدام تطبيق لإنشاء إطارات الصور الخاصة بهم.
وتتبع العلامات التجارية الأخرى استراتيجية تسويقية تستند إلى جمهور المشاهير، حيث توفر إصدارات محدودة من الحواف مع صور المشاهير أو الشخصيات الشهيرة، بما في ذلك الصور التي يتم التقاطها في أيامهم الخاصة أو المناسبات السنوية مثل الحفلات الموسيقية وأعياد الميلاد.
وتتبنى العلامات التجارية الأخرى استراتيجيات تسويقية تعتمد على المعجبين، حيث تقدم إطارات صور محدودة الإصدار عمادها صور من المناسبات الخاصة مثل الحفلات الموسيقية أو أعياد ميلاد المشاهير.
وتستخدم وكالتا الترفيه “بيغ هيت ميوزيك” و”سورس ميوزيك” أيضا أكشاك الصور بالتعاون مع “القطع الأربع من الحياة” لمراجعة سجلات المتقدمين. وباستخدام تطبيق “القطع الأربع من الحياة”، يستخدم المتقدمون الذكور إطار صور “بيغ هيت ميوزيك” بينما تستخدم المتقدمات من الإناث إطار صورة “سورس ميوزيك” عند تقديم الطلبات.
وتضيف أكشاك الصور التي تم إطلاقها مؤخرا وظيفة إدراج مغني الكي-بوب إلى إطارات الصور، مما يسمح للعملاء بإضافة صور المغنين المفضلين لديهم إلى صورهم الخاصة. وهناك أيضاً إطارات تسمح للعملاء بدمج الصور مع شخصيات الرسوم المتحركة المفضلة لديهم مثل “زانمانغ لوبي”، المشهور بين المراهقين والشباب الذين نشأوا وهم يشاهدون هذا القندس الوردي، أحد الشخصيات في رسم كاريكاتوري شهير. وأما شخصية “كونغ سو ني”، فهي محبوبة من قبل الأطفال الصغار، ومن الشخصيات الشهيرة الأخرى “سيكريت جوجو”. ولا يمكن مقابلة شخصيات لعبة الهاتف المحمول “كوكي رون كينغدوم” فحسب، بل يمكن أيضا استخدام صور شخصيات “والت ديزني”، التي لا تزال محبوبة رغم مرور وقت طويل على ظهورها، ضمن إطار الصورة المكونة من أربع قطع.
ومن الصعب توقع المدة التي ستستمر فيها شعبية “أربع قطع من الصور”. قد يتلاشى هذا الاتجاه في يوم ما ولكنه سيظهر مرة أخرى عندما تبحث الأجيال القادمة عن طريقة سريعة وممتعة للحفاظ على الذكريات. وبغض النظر عن كيفية تغير الأسلوب والتكنولوجيا، سيرغب الناس دائمًا في الاحتفاظ بذكريات جميلة عن اللحظات التي لا تُنسى والأحباء على قيد الحياة إلى الأبد.
كيم بو-راه مراسلة صحيفة كوريا الاقتصادية