تشبه غابة سيول واحة في سونغسو-دونغ. وقد افتُتحت بصفتها أول حديقة في كوريا يتم بناؤها من خلال مشاركة المواطنين في عام ٢٠٠٥. وعلى موقع مساحته ١,١٥ مليون متر مربع، تتكوّن من أربع مساحات ذات موضوع خاص يعكس الخصائص البيئية والجغرافية بشكل جيد، مما يجعلها مكانًا رئيسا للاسترخاء وسط المدينة.
تحتل غابة سيول منطقة مثلثة الشكل عند التقاء نهر هان وأحد روافده. وبفضل حفاظها على النظام البيئي والمرافق الثقافية بشكل جيد، تحظى بشعبية كبيرة باعتبارها واحةً للاسترخاء وسط المدينة.
© معهد سيول
تقع غابة سيول عند ملتقى نهر هان الذي يتدفق من الشرق، وجدول جونغرانغ المائي القادم من الشمال، وهو أحد روافد النهر. وعند النظر إليها من الأعلى، تبدو كشكل مثلث قد تشوهت إحدى زواياه قليلاً. ويبدو أن الأشجار الطويلة على طول المحيط تقوم بحماية الحديقة من الضوضاء والملوثات الناجمة عن الطرق المزدحمة بالسيارات. ويمتلئ الجزء الداخلي منها بغابات خضراء ذات كثافات مختلفة. ونظرًا للخصائص الجغرافية المتمثلة في الاقتراب من النهر والطريق الرئيس للوصول السريع إلى وسط المدينة، فإن أراضيها كانت صالحة للاستخدام بشكل كبير منذ الماضي.
حديقة حضرية
كان الموقع الذي تقع فيه غابة سيول عبارة عن أرض ملكية للصيد في عهد مملكة جوسون (عام ١٣٩٢ إلى ١٩١٠). وفي عام ١٩٠٨ تم إنشاء أول محطة لتنقية المياه في كوريا لتزويد المواطنين بمياه الصنبور. ومع مرور الوقت تم إعادة استخدامه لأغراض مختلفة، بما في ذلك ملعب للغولف ومضمار لسباق الخيل ومنتزه رياضي. وفي التسعينيات من القرن الماضي فكّرت حكومة مدينة سيول في تحويله إلى منطقة سكانية وتجارية، لكنها قررت إنشاء حديقة حضرية للمواطنين في الجزء الشمالي الشرقي من المدينة الذي يعاني من نقص الحدائق. وفي عام ٢٠٠٣ أقامت مسابقة تخطيط لمشروع غابة سيول، وفي يونيو ٢٠٠٥ افتتحتها.
© حكومة مدينة سيول
وفي ذلك الوقت كانت حكومة سيول تسعى إلى ما هو أكثر من مجرد حديقة عادية قريبة من الحي حيث تصورّت غابة حضرية تمثيلية في سيول على غرار سنترال بارك في مانهاتن وهايد بارك في لندن. وكانت شركة دونغ سيم وان لتصميم وإنشاء المناظر الطبيعية التي فازت بالمسابقة، ترغب في إنشاء مكان طبيعي يمكن فيه للمواطنين الاستمتاع بالثقافة والفنون. وأدت هذه الرؤية إلى تكوين أربع مساحات ذات طابع خاص، وهي منتزه الثقافة والفنون، والغابة البيئية، ومنتزه التعلم التجريبي، وحديقة النباتات المستنقعية، إلى جانب حديقة تربطها بنهر هان.
مساحة للاسترخاء
يمكن الوصول إلى غابة سيول بسهولةٍ عن طريق مترو الأنفاق. وبعد مغادرة المخرج رقم 4 من محطة غابة سيول ودخول اُندرستاند أفينيو، وهو مركز تسوّق مذهل مصنوع من ١١٦ حاوية شحن ملونة معاد تدويرها، يمكن العثور على منتزه الثقافة والفنون متعدد الأغراض وسط غابة سيول، وقد كان مضمارًا لسباق الخيل في الماضي.
وتبرز في مدخل ساحة المنتزه تماثيل خيول عسكرية تخلّد ذكرى مضمار السباق، وخلف التماثيل يمكن مشاهدة نافورة أرضية، وهي مكان محبّب لاسترخاء العائلات عند ارتفاع درجات الحرارة. وتوفّر بحيرة المرآة التي تمتدّ وراء النافورة، متعة مميزة حيث يخلق انعكاس الأشجار المحيطة على المياه الضحلة وهمًا بوجود غابة جبلية هادئة. ويمكن في كثير من الأحيان العثور على طيورٍ تشرب الماء لإرواء عطشها.
تُجَسِّد بحيرة المرايا الضحلة ذات العمق ٣سم في غابة سيول أشجار الميتاسيكويا التي تصطف على محيطها كلوحة لمنظر طبيعي.
© معهد سيول
وعندما تصبح صفوف الأشجار غير منظمة ويتغير الشارع المستقيم إلى شارع منحنٍ، تظهر مساحة خضراء واسعة يُطلق عليها اسم ساحة العائلة. وتحيط بها مسارات مشي تتميز بأشجار شاهقة متساقطة الأوراق، بما في ذلك أشجار القيقب والميتاسكويا. وتوفّر المساحة الواسعة من الأعشاب الخضراء لمواطني سيول مزاجًا لا مثيل له بالحرية. ويجدون هنا طريقتهم الخاصة للاسترخاء؛ تناول الأطعمة وقراءة الكتاب والاستماع إلى الموسيقى وأخذ القيلولة وركوب الدراجة الهوائية. وتلعب الكثير من الكلاب في ساحة العائلة أيضا. وفي الليل يقوم البعض بإعداد شاشات صغيرة محمولة لمشاهدة الأفلام باستخدام أجهزة عرض شعاعية. وبالإضافة إلى ذلك تقام هنا الأحداث الكبيرة بانتظامٍ، منها مهرجان غابة سيول لموسيقى الجاز.
يستمتع المواطنون بأداء موسيقى على مسرح خارجي واسع يقع على الجانب الآخر من بحيرة المرآة. تقام فيه فعاليات ثقافية وفنية بانتظام.
© يون جون-هوان
جهود للحفظ
الغابة البيئية هي المساحة الأبعد عن المدخل. وقام مهندسو المناظر الطبيعية الذين صمموا الحديقة، بإنشاء مساحة تشبه الحياة البرية الطبيعية للغابات الكثيفة في ضواحي سيول إلى حد كبير من خلال زراعة نفس أنواع الأشجار وتعديل كثافة الأشجار. ونظرًا لكِبَر حجم غابة سيول، فإن استكشافها بشكل كامل لا يتهيأ للجميع، ولكن مَنْ يزورون الغابة البيئية يكررون زيارتها بفضل مناظرها المذهلة.
والميزة الأكثر جذبًا للانتباه هي حقل مسيّج تتجول فيه أكثر من عشرة غزلان مرقطة بحريةٍ. ويمكن للذين يرغبون في رؤية هذه الغزلان عن قربٍ تسلّقُ جسر المشاة البانورامي الذي يصل إلى منتزه نهر هان القريب. ومن هنا يمكن رؤية الغابة التي أصبحت كثيفة مثل الغابة البدائية بعد منع دخول الناس والغزلان لفترة زمنية طويلة. وعندما تزهر أشجار الكرز في الربيع، يصطف الناس لعبور الجسر. وتُعدّ تلة الرياح، وهي نقطة انطلاق الجسر، أعلى نقطة في غابة سيول، وتصبح جميلة بشكل خاص في فصل الخريف حيث تتمايل الأعشاب الفضية بالنسيم وتخلق مزاجًا هادئًا.
وتقع في إحدى زوايا الموقع المثلث لغابة سيول حديقة النباتات المستنقعية. وقد تم إنشاؤها باستخدام خزان مائي كان يعمل كحاجز للسيطرة على فيضانات نهر هان الناجمة عن هطول الأمطار الغزيرة. وتم الحفاظ على بعض أعمدة هيكل الخزان لتخليد ذكراه. وفي الصيف تصوّر نباتات الكرمة التي تتسلق الأعمدة، منظرًا خلابًا. ومع الاحتفاظ بهيكل الخزان السابق إلى حد كبير، تم تركيب سطح خشبي في الحديقة حيث يمكن للزوار رؤية التنوع البيولوجي الغني بالطيور ونباتات الأراضي الرطبة.
ويهدف منتزه التعلم التجريبي، أحد المعالم البارزة في غابة سيول، إلى تثقيف الأطفال عن علم البيئة. وقد أُنشئ من خلال إعادة تصميم محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي لم تعد تشتغل. وعلى وجه الخصوص فإن حديقة المعرض التي تم بناؤها باستخدام هيكل خزان الترسيب السابق بالكامل، تثير إعجابًا لأن نباتات الكرمة التي تتسلق المبنى القديم توفّر الظل الوارف للزوار في الصيف.
© حكومة مدينة سيول
مشاركة المواطنين
تتميز جميع الغابات والحدائق بخصائصها المميزة على الرغم من أنها قد تبدو متشابهة من بعيد. والغابة هي الطبيعة كما هي، والحديقة عبارة عن مساحة خضراء لا تكون قادرة على احتضان الطبيعة فقط بل الأنشطة البشرية المختلفة أيضا. وإذا فشلت في التغير بمرونةٍ وفقا للسياق الثقافي المحيط بها، فلن يكون لديها خيار سوى أن تكون معزولة عن المدينة. لكن غابة سيول امتازت في هذا الصدد بنجاحها في تحقيق المطلوب.
وتعدّ غابة سيول أول حديقة في كوريا يتم إنشاؤها من خلال مشاركة المواطنين في كافة المراحل، بما في ذلك التخطيط والبناء والإدارة والتشغيل. وفي مرحلة التخطيط، نظمت المدينة ورش عمل وجلَسات استماع عامة لجمع رؤى الخبراء والناس ووجهات نظرهم في جميع مناحي الحياة، وفي مرحلة البناء ساهم المواطنون في جمع الأموال وزراعة عشرات الآلاف من الأشجار. وتم إجراء هذه المبادرة بقيادة سيول غرين تروست التي تم إطلاقها عام ٢٠٠٣ كمنظمة غير ربحية لتعزيز مشاركة المواطنين في توسيع المساحات الخضراء والحفاظ عليها في المدينة. ومنذ تأسيس المنظمة، أجرت العديدَ من البرامج في غابة سيول بالتعاون مع المتطوعين، وتولت مهمة تشغيلها الموكَلة إلى حكومة المدينة من عام ٢٠١٦إلى عام ٢٠٢١ . وحظيت جهود المنظمة بالاستحسان، وخاصةً لتعزيز الإدارة المستدامة للحديقة من خلال مشاركة المواطنين وتصميم البرامج التي تركّز على المقيمين. وحصلت على تقدير من جوائز تاونسكيب الآسيوية السنوية في عام ٢٠٢٠.
ويمتد تأثير غابة سيول إلى ما هو أبعد من حدودها المادية بحيث تطورت إلى مساحة عامة تستفيد من ميزاتها الجغرافية وتعزّز الشعور بالانتماء إلى المجتمع. والآن تعمل على تغيير صورة سونغسو-دونغ التي كانت منطقة للصناعات الخفيفة، وتوضيح كيفية تنشيط الحي وسط المدينة بمشاركة المواطنين.