تسرد الكاتبة “كيوم سوك جندري كيم” القصص التي تصور الأحداث التاريخية أو تتحدث عن الأشخاص المهمشين اجتماعيا في رواياتها المصورة. وتم ترجمة العديد من رواياتها إلى لغات أجنبية ونشرها في دول أجنبية، ومنها «جيسول» (٢٠١٤م) التي تصور مأساة انتفاضة جيجو و«عشب» (٢٠١٧م) التي تسلط الضوء على آلام ضحايا الاسترقاق الجنسي الياباني و«بنت سيبيريا ألكساندرا كيم» (٢٠٢٠م) التي تسجل حياة أول كوري انضم إلى الثورة البلشفية الروسية.
تم الإعلان عن الفائزين بجوائز هارفي للقصص المصورة في مؤتمر “نيويورك كوميك كون” الذي أُقيم عبر البث المباشر في أكتوبر من العام الماضي بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد-كوفيد ١٩. وحصلت رواية «عشب» المصورة التي ترسم حياة ضحايا الاسترقاق الجنسي الياباني على جائزة أفضل كتاب دولي.نُشرت «عشب» في كوريا عام ٢٠١٧ وبدأت تحظى بإقبال واسع عالميا منذ نشر دار “دراون أند كورترلي” الكندية نسختها الإنجليزية عام ٢٠١٩. واختارتها كل من صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية وصحيفة الغارديان البريطانية ضمن “قائمة أفضل القصص المصورة لعام ٢٠١٩” و”قائمة أفضل الروايات المصورة لعام ٢٠١٩” على التوالي. وفي العام التالي، حصلت على عشر جوائز أخرى، ومنها جائزة كراوس للمقال وجائزة كارتونست استوديو لأفضل قصة مصورة مطبوعة.ذهبت الكاتبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية عابرة المحيط الهادئ لاستلام جائزتها في ديسمبر عام ٢٠٢٠ بعد مرور شهرين على إعلان الفائزين بجوائز هارفي، نظرا للعوائق الناتجة عن جائحة كورونا. مع ذلك، تتجاوز أعمالها حدود كوريا بحرية لتلتقي بقرائها في مختلف اللغات في أرجاء العالم. فعلى سبيل المثال، تم نشر رواية «عشب» باللغتين البرتغالية والعربية مؤخرا. وأما روايتها المصورة الجديدة «الانتظار» التي كشفت عنها في فصل الخريف من العام الماضي فإنها نُشرت باللغة الفرنسية وتنتظر نشرها باللغات الإنجليزية والبرتغالية والعربية والإيطالية. قابلتُ الكاتبة “كيم” في أحد المقاهي الواقعة في جزيرة غانغ هوا حيث تسكن، وجرى بيننا الحوار التالي:
درست الفن التشكيلي وفن التركيب لكنك أصبحت مشهورة برواياتك المصورة. لماذا قررت بأن تصبحي كاتبة للرواية المصورة؟
تخصصت في الفن التشكيلي الغربي وذهبت إلى فرنسا لدراسة فن التركيب في المدرسة العليا لفنون الزخرفة في مدينة ستراسبورغ. وخلال إقامتي في فرنسا، ترجمت قصصا مصورة كورية إلى اللغة الفرنسية لكسب الرزق، بلغ عددها أكثر من ١٠٠ قصة مصورة.في أحد الأيام، دعتني إحدى الصحف الكورية في فرنسا لرسم القصص المصورة فيها. من خلال ترجمة هذه القصص المصورة الكورية، لقد سحرتني حقيقة أن فناني القصص المصورة يستطيعون أن يعبروا عما يريدونه بحرية باستعمال الورق والقلم فقط. وهكذا، التحقت بعالم القصص المصورة ورسمت العديد منها في الصحيفة. وفي البداية، بذلت وقتا وجهدا لإيجاد أفضل طريقة لاستخدام فقاعات الحوار وترتيبها.
ما هي الأعمال الفنية التي تأثرت بها؟
تأثرت بأعمال الفنانين الكوريين من حيث التأليف. فعلى سبيل المثال، كان الفنان “لي هي-جاي” والفنان “وو سي-يونغ” مميزين في سرد قصص آبائنا في هذا العصر. أظن أني لست متميزة في تقنيات الرسم لأن معظم أعمالي الفنية مجردة وليست تمثيلية وكنت أفضل فن التركيب والنحت. لكني أعتقد أن الفنان “إدموند بودوان” والفنان “خوسيه مونوز” الذي حول رواية «الغريب» للكاتب “ألبير كامو” إلى رواية مصورة، تركا تأثيرا كبيرا على أساليبي في الرسم، لا سيما أني تأثرت كثيرا بضربات الفرشاة القوية في أعمالهما. كما أنني تأثرت بأعمال الفنان “جو ساكو” و”تاردي” أيضا.
ما هو العمل الرئيس الذي يمثل أعمالك الأولى؟
عندما أرسم القصص، أحاول أن أنسج قصصي الشخصية والمشاعر التي شعرت بها في الحياة وقصص الأشخاص الذين قابلتهم. بعبارة أخرى، فإنني أحاول أن أربط بين القضايا التاريخية أو الاجتماعية والأحداث الشخصية التي مررت بها خلال حياتي لسرد القصة بشكل أكثر صراحة. من بين أعمالي الأولى، تسرد قصة «غناء الأب» قصة عائلة كورية عادية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي انتقلت من قرية ريفية كانت تسكن فيها وتمتهن الزراعة إلى سيول بسبب الصعوبات الاقتصادية. وفي هذه القصة، استخدمت قصة عائلتي الشخصية، التي كانت تواجه صعوبات مماثلة، لتصوير مشاهد المجتمع الكوري العامة في ذلك الوقت. كما أن هذه القصة المصورة تحتوي على ذكرياتي الشخصية. في طفولتي، كان أبي يغني أغاني لتعزية الموتى لأنه تعلم غناء “بانسوري” الكوري التقليدي. لكنه لم يغنها بعد انتقال عائلتي إلى سيول حيث لا أحد يهتم بما إذا كان جاره مات أم لا.
تناولت قصة أبيك في أعمالك الأولى، وفي أعمالك الأخيرة أخذت تتحدثين عن قصة أمك، ما السبب؟
تتناول «الانتظار» قصة أمي. عندما كنت أدرس في باريس قبل عشرين عاما، زارتني أمي وأخبرتني بأن شقيقتها، أي خالتي الكبيرة، تسكن في كوريا الشمالية. غادرت عائلتها موطنها في منطقة غوهونغ في محافظة جولا الجنوبية للانتقال إلى منشوريا، وأقامت في مدينة بيونغ يانغ بشكل مؤقت خلال رحلتها. رجعت أمي إلى الجنوب بعد حدوث حادثة ما، لكن شقيقتها لم تغادر بيونغ يانغ. لم أكن أعرف هذه القصة العائلية حتى أخبرتني أمي بها.
كانت أمي تشعر بخيبة الأمل عندما لم يختاروها للمشاركة في اجتماع لم شمل العائلات المشتتة الذي نظمته حكومتا الكوريتين. وجعلني ذلك أقرر الحديث عن قصتها فرسمت هذه الرواية من أجل أمي. هذه القصة قصة شخصية لعائلتي إلا أن مشكلة تشتت العائلات هي مشكلة عامة تعاني منها البشرية في حالة اندلاع الحروب. وأود أن أسلط الضوء في روايتي هذه على مأساة الحرب التي تضر بأرواح الأبرياء وتسفر عن تشتت العائلات وتشرد أفرادها.
هل يمكن القول إن روايتك «عشب» تتحدث عن مأساة البشرية المشتركة أيضا؟
بدأت أفكر في رسم قضية الاسترقاق الجنسي الياباني منذ شاهدت الفيلم الوثائقي الذي يتناول هذه القضية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. وعندما كنت في فرنسا، استطعت أن أحصل على المزيد من المعلومات عنها عندما عملت مترجمة في اجتماع بشأن قضية الاسترقاق الجنسي. وقدمت قصة قصيرة «السر» إلى مهرجان أنغوليم للقصص المصورة عام ٢٠١٤. وتسلط هذه القصة الضوء على حياة ضحايا الاسترقاق الجنسي الياباني وآلامهن من منظور النساء.
لكني لم أستطع أن أتحدث عن كل ما أريده لأنها قصة قصيرة. كنت أريد أن أتحدث عن هذه القضية بجدية. ولذلك، بذلت ثلاث سنوات في رسم الرواية عن هذه القضية. وتتعامل هذه الرواية المصورة مع قضية الاسترقاق الجنسي الياباني على أنها مشكلة عنف ضد الضعفاء اجتماعيا ونتيجة للاستعمار والتقسيم الطبقي. عندما أجريت مقابلة مع السيدة “لي ووك-سون” التي تظهر في هذه الرواية، شعرت بحزن وإحباط لأن الحرب حرمتها من رفع صوتها، إلا أن المجتمع جعلها تبقى صامتة أيضا حتى بعد انتهاء الحرب.
تم ترجمة الكثير من أعمالك إلى لغات مختلفة. وعلى سبيل المثال، نُشرت روايتك «عشب» بـ١٤ لغة أجنبية. ما سبب ذلك؟
تُرجمت معظمها إلى اللغة الفرنسية. وبالنسبة للنسخة اليابانية لرواية «عشب»، فإنني كنت مندهشة لأن بعض اليابانيين دعموا عملية النشر بالمشاركة في التمويل الجماعي. قبل كل شيء، أقدم جزيل الشكر إلى المترجمين لأن قصصي يصعب ترجمتها إلى لغات أخرى نظرا لأنها فريدة من نوعها، وتتحدث عن الآلام والمآسي. وما كنت لألتقي بالقراء الأجانب في العالم لولا دعم المترجمة الإيطالية “ميري لو” والمترجمة الإنجليزية “جانيت هونغ” والمترجمة اليابانية “سوزوكي سومي”.
هل لديك مشروع آخر للمستقبل؟
أخرج للتنزه مع كلابي كل يوم. والرغبة في التنزه ليست هي السبب الوحيد، فأنا أخطط لرسم رواية تتناول العلاقة بين الإنسان والكلب. من المقرر أن أنشرها في صيف هذا العام تحت عنوان «كلب».
“تتعامل هذه الرواية المصورة مع قضية الاسترقاق الجنسي الياباني على أنها مشكلة عنف ضد الضعفاء اجتماعيا ونتيجة للاستعمار والتقسيم الطبقي”