تسعى صناعة الأزياء إلى الجديد دوما كي تشجع الإنتاج المستمر والاستهلاك الذي لا يتوقف، مما يترك تأثيرا كبيرا على أزمة المناخ. والآن حان الوقت الذي يجب فيه علينا جميعنا التفكير في كيفية تغيير أسلوب حياتنا للحفاظ على صحتنا وكوكبنا؛ كوكب الأرض.
"معهد داسي إيبدا" شركة ناشئة غير ربحية تسعى إلى رفع وعي الناس بتأثير صناعة الأزياء على البيئة وتقليل نفايات الأزياء.
© معهد داسي إيبدا
لو تجولنا قليلاً في المناطق الحيوية والأسواق، لوجدنا بالتأكيد الكثير من الملابس التي تُعرض في المتاجر التي نراها، لدرجة تجعلنا نفكر ونتساءل: عندما تُباع هذه الملابس من سيشتريها كلها ومن سيلبسها. يرجع السبب في ذلك إلى العلامات التجارية العالمية للأزياء التي استقرت في مدن حول العالم، حيث تظهر مجموعات جديدة كل أسبوع لتشجيع الموضة ومتابعة اتجاهاتها. يتم إنتاج العديد من الملابس الجديدة في كل موسم، مما يجعل خزائن ملابسنا تمتلئ بالملابس، ولكن مع ذلك، في كل موسم نفكر مرة واحدة على الأقل: “لماذا ليس لدي ملابس مناسبة لأرتديها؟”.
معهد يتطلع لحياة خالية من النفايات
إذا رغبتَ في شراء ملابس جديدة لكنك تشعر بالقلق من تأثير صناعة الأزياء على كوكب الأرض، أو إذا كانت لديكَ ملابس قديمة لا ترغب في ارتدائها لكنك أيضا لا تريد التخلص منها، فأرجوك اللجوء إلى “معهد داسي إيبدا” الذي يعني اسمه “إعادة اللبس”، وهو شركة ناشئة غير ربحية تُعنى بـ”إعادة ارتداء الملابس” سعيا لتطبيق نمط حياة جديد خالٍ من النفايات وتسلط الضوء بعمق على المشكلات التي تنشأ عن صناعة الأزياء وتبذل جهودا لتشجيع إعادة الاستخدام.
من برامج هذه الشركة، برنامج “حفلة ٢١٪” الذي يمثّل سوقا لتبادل الملابس المستعملة واجتماعا يسعى إلى تعزيز إعادة استخدام الموارد. ويشير جزء من اسمه “٢١٪” إلى نسبة الملابس المهملة في خزائن ملابسنا تقريبا. يتبادل مشاركو البرنامج ملابسهم التي لا يلبسونها حاليا، مع ملابس المشاركين الآخرين، مثل الفساتين التي لم يتم ارتداؤها منذ فترة طويلة، والإكسسورات التي لا تتناسب مع الملابس العادية، والأحذية التي تم شراؤها دون التفكير العميق لكنها لا تتناسب مع الملابس الأخرى، والملابس القديمة التي تحمل الذكريات الماضية إلا أنه لا يتم ارتداؤها الآن. لا يمكنك أن تجد بطاقات الأسعار في هذه السوق إلا أنك تجد بطاقات أخرى تروي قصصا شخصية لأصحاب الملابس السابقين. ويمكن القول إن هذا البرنامج ليس سوقا عادية لتبادل الملابس القديمة لأنها تقدّم فرصة نادرة للاطلاع على قصة مميزة تحملها كل قطعة من هذه الملابس التي يقدمها المشاركون في البرنامج.
إعادة الاستخدام عِوضا عن إعادة التدوير
بطاقة “وداعا ومرحبا” كُتب عليها معلومات عن الأزياء التي تم تقديمها لبرنامج “حفلة ٢١٪”.
© معهد داسي إيبدا
تشير بيانات وزارة البيئة الكورية حول إنتاج النفايات ومعالجتها لعام ٢٠٢١ إلى أن وزن الملابس التي تُرمى بوصفها نفايات منزلية كل سنة يبلغ حوالي ١١٨ ألف طن. وإذا أضفنا إليه وزن المنسوجات التي يتم التخلص منها كل سنة، فإن الوزن الإجمالي يبلغ حوالي ٤١٢ ألف طن. المشكلة هي أن المصانع حول العالم تصنع كميات كبيرة من الملابس وترمي نفايات كثيرة من المنسوجات كل لحظة.
حان الوقت كي نغير طريقتنا لتلبية رغباتنا في السعي إلى الأشياء الجديدة. تركز شركة “معهد داسي إيبدا” على إعادة الاستخدام، عِوضا عن إعادة التدوير. وترى الشركة أن إعادة التدوير طريقة جيدة لتقليص النفايات إلا أنها تستهلك موارد أخرى خلال عملية تحويل النفايات إلى شيء آخر مفيد. ومن المستحيل إعادة تدوير كميات ضخمة من الملابس الموجودة في خزائن ملابس الناس في كل أنحاء العالم. لذلك، تؤكد الشركة على أن أفضل طريقة هي ارتداء الملابس الموجودة لأطول فترة ممكنة والتخلص منها بأدنى قدر ممكن من الموارد، عن طريق إعادة الاستخدام. وتبذل جهودا كبيرة لتشجيع الناس على ارتداء الأزياء المستعملة من خلال تبادلها مع الآخرين، بهدف تقليل نفايات الملابس.
قيم “معهد داسي إيبدا”
لا يمثّل برنامج “حفلة ٢١٪” مكانا لتبادل الأزياء المستعملة فحسب، بل إنه يمثّل أيضا مكانا لرفع وعي الناس بأهمية إعادة استخدام الأزياء بدلا من التخلص منها بسهولة بعد ارتدائها مرات قليلة. ويحصل المشاركون في البرنامج على تذاكر مقابل الأزياء المستعملة التي يقدمونها ثم يشترون بها أزياء أخرى.
© معهد داسي إيبدا
توفر الملابس المستعملة أنواعا مختلفة من المتعة، فعلى سبيل المثال، تجعلنا نكتشف شيئا غير متوقع، مما يمنحنا متعة كبيرة. هناك طريقة خاصة لكل شخص عند التسوق، وخاصة عند تسوق الأزياء والملابس. غالبا ما يكون لكل شخص ذوق خاص في اختيار ملابسه، إلا أن أسواق الأزياء والملابس المستعملة تقدّم أساليب جديدة مختلفة تستحق التجربة، ففيها يمكن أن نكتشف علامات تجارية غير مألوفة وملابس تعكس تفضيلات متنوعة وملابس لها خصائص ثقافية لم نجرّبها من قبل.
كذلك، توفر هذه الأسواق الفرصة للسفر عبر الزمن بعيدا عن اتجاهات الموضة الحديثة. وفي هذه الأسواق، نجد الملابس التي تعكس أذواقنا وخصائصنا بدلا من الملابس التي تُباع في الأسواق العادية ولا تبدو رائعة بعد سنة أو سنتين على شرائها. بعبارة أخرى، فإن هذه الأسوق مكان يجعل أسلوبنا في التعامل مع الملابس والأزياء أكثر ثراء بتقديم فرصة لتجربة أساليب جديدة، لا سيما أننا في سوق “حفلة ٢١٪”، التي يكون فيها التبادل عن طريق المقايضة، قد نجد كنزا غير متوقع من الملابس المستعملة. على كل حال، تعطي أسواق الملابس المستعملة فرصة لتجربة ملابس لم تجرّبها من قبل دون أي ضغط وتجعلك تتخلى عن الشعور بالذنب تجاه المشاكل البيئية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكنك أن تبني روابط خاصة مع الأشخاص الذين يشترون الملابس المستعملة التي تطرحها للبيع في هذه الأسواق. وتثير هذه الروابط الشعور بأنكم تبنون معا مستقبلا أكثر إشراقا عن طريق تبادل الملابس. هذه هي القيم التي تسعى إليها شركة “معهد داسي إيبدا” وتتجاهلها معظم علامات الأزياء.
لا تكتفي شركة “معهد داسي إيبدا” بذلك، بل من الواضح أنها تبذل جهودا كبيرة لترسيخ رؤيتها الجديدة التي تتمثل في إطالة عمر الملابس، إذ كلما زاد عمر الملابس، قلّت الطاقة التي تُستخدم للتخلص منها وينخفض استهلاك المياه وانبعاث الكربون. هذه هي الحقيقة التي نعرفها جيدا لكن غالبا ما نتناساها بسهولة أو نتجاهلها. تحاول هذه الشركة تأكيد هذه الحقيقة بإظهار البيانات الإحصائية التي تبقى في عقول الناس لمدة أطول. في برنامج “حفلة ٢١٪” الذي أقامته في أبريل الماضي واستمر لمدة عشرة أيام وشارك فيه ٨٣١ شخصا من ١٨ فريقا، تم تبادل ٢٢٣٩ قطعة من ٢٩٠٨ قطع من الملابس، وهو ما يعادل توفير ٦٥٢٦٠١ لتر من المياه وتقليل انبعاثات الكربون بمقدار ١٧٢٦٣ كيلوغراما. إن هذه الأرقام تترك انطباعا واضحا في عقول الناس وتعزز القيم التي تسعى إليها الشركة.
أنشطة الاستدامة
على بطاقة “وداعا ومرحبا” كتب أحد مشاركي البرنامج معلومات عن الزي الذي يقدمه؛ متى اشتراه، كم مرة ارتداه، وكلمة وداع قصيرة له، كلمة الترحيب بصاحبه الجديد.
© معهد داسي إيبدا
لا يقتصر هدف شركة “معهد داسي إيبدا” على تغيير نمط حياة الناس عند تسوق الملابس من خلال “حفلة ٢١٪”، بل إنها تسعى فوق ذلك إلى التأثير على السياسات والأنظمة، فعلى سبيل المثال، تقوم الشركة بحملة لتشجع البرلمان الكوري على سن قانون يحظر على شركات صناعة الملابس والأزياء التخلص من الملابس التي تبقى في مستودعاتها والملابس التي يُرجعها العملاء. كذلك، يمكن القول إن هذه الحملة تمثّل تنديدا بأنانية الشركات صاحبة علامات الأزياء التي تتخلص من الملابس الجديدة بسهولة بحجة الحفاظ على صورتها التجارية.
في البرنامج التلفزي الوثائقي “لا مكان للأزياء على كوكب الأرض” الذي بثته قناة كي بي إس عام ٢٠٢١، أجرت القناة استطلاعا شمل أكبر ٧ شركات أزياء في كوريا الجنوبية، فقالت أربع شركات منها إنها تحرق الأزياء التي لا تُباع ورفضت شركتان الإجابة عن السؤال. وذلك يعني أن شركة واحدة فقط أجابت أنها لا تحرق منتجاتها. ومن المفارقة أن الشركات التجارية تهدر الطاقة والجهد البشري وتحرق الأخلاق والوعي بالبيئة في الوقت الذي يسعى فيه الجانب الآخر إلى الحفاظ على البيئة عن طريق إعادة استخدام الملابس. وتظل شركة “معهد داسي إيبدا” تسعى جاهدة إلى حل هذه المفارقة سياسيا حيث بدأت تعمل بجدية منذ يناير من هذا العام وقدمت عريضة عليها توقيع ١٣٦٣ مواطنا إلى مكتب البرلمان في أبريل الماضي تدعوه فيها إلى تشريع “قانون منع رمي الملابس المخزنة والمرتجعة”.
يختلف الاهتمام والمتعة تجاه الملابس والأزياء من شخص لآخر، إلا أن أزمة المناخ تؤثر على جميع الكائنات الحية على كوكب الأرض. وحتى المنتجات التي يُقال إنها تُنتج بطرق مستدامة لا تساهم حقيقة في التصدي لأزمة المناخ. يجب علينا أن نغير طريقتنا لتسوق الملابس. أعتقد أن الحل يكمن في الملابس المستعملة، ففيها تنتهي اتجاهات الأزياء، أما الأزياء المستعملة فلا نهاية لها.
يو دا-مي محررة