مَمَرّ جبلي مرتفع جدا لدرجة أن الطيور تبذل قصارى جهدها وطاقتها للتحليق فوقه... حصن طبيعي للدفاع عن العاصمة ضد الهجمات من الجنوب... هذه أوصاف شائعة لطريق مون غيونغ سايجاي الجبلي، أو «ممر طيور مون غيونغ». سنتنزه في الممرات الجبلية في مون غيونغ ذات المناظر الخلابة ونستمع إلى القصص التي تركها الناس من مختلف الفئات الاجتماعية الذين طَرَقوا هذه الممرات ومرّوا خلالها .
يُعد طريق مون غيونغ سايجاي الجبلي (ممر مون غيونغ للطيور) أعلىجزء في طريق يونغنام الكبير. يقع هذا الطريق الجبلي على بعد حواليساعتين بالسيارة من سيول وكان بوابة هامة للمسافرين والجيوش خاللالفترة ما بين عصر الممالك الثالث (57 قبل الميالد-668 بعد الميالد)وعصر مملكة جوسون (1392-1910). واليوم، أصبح وجهة سياحيةمشهورة نظرا لجماله الطبيعي وتراثه الثقافي الغني.
تشكل المناطق الجبلية حوالي 70 في المائة من أرض كوريا. لذلك، هناك العديد من السلاسل الجبلية التي تنبع من قممها المجاري المائية. والمثير للاهتمام أن مكانة السلسلة الجبلية تعتمد على الوجهة التي تتجه إليها المجاري المائية التي تتدفق من قممها. فإذا لم تلتق المجاري المائية بعضها ببعض بعد انقسامها ووصلت إلى مختلف المحطات النهائية مثل الأنهار أو البحار، فتُعتبر مكانة السلسلة الجبلية أعلى من غيرها. والسلسلة الجبلية التي تُدعى بايكدو دايغان خير مثال على ذلك. إذ تنطلق سلسلة بايكدو دانغان الجبلية التي يبلغ طولها أكثر من 1600 كيلومتر من جبل بايكدو في شمال شبه الجزيرة الكورية وتمتد حتى جبل جيري في الجنوب. ويرى الكوريون أن إكمال رحلة الجريان على طول هذه السلسلة الجبلية إنجاز يثير الفخر والاعتزاز.
في عام 1861، خلال عصر مملكة جوسون، أنتج الجغرافي ورسام الخرائط المشهور كيم جونغ-هو (1804-1866) خريطة طوبوغرافية مفصلة لكوريا باستخدام المقياس الحديث، وهي «دايدونغ يوجيدو» التي تعني «الخريطة الإقليمية للشرق العظيم» ونُحتت هذه الخريطة على الألواح الخشبية لتسهيل النشر وإعادة الطباعة. ويبدو أن ما رُسم على الخريطة من بايكدو دايغان والأنهار والقرى تتشابه أشكالها مع شكل التنين أو شكل رمز «تايغوك» الأحمر والأزرق في العلم الوطني الكوري. تعكس هذه الخريطة وجهة نظر الجغرافي كيم في الطبيعة الذي اعتقد أن السلاسل الجبلية تُشكّل العمود الفقري لشبه الجزيرة الكورية والمفتاح لفهم الجغرافيا الطبيعية لكوريا، فضلا عن الثقافة والمجتمع والتاريخ والبيئة. في الواقع، يمكن أن نجد جبل بايكدو في المقطع الأول من النشيد الوطني الكوري وتحكي معظم أغاني المدارس أن الطلاب ورثوا طاقة الجبال القريبة منهم.
جوهول غوان هي البوابة األولى على طريق مون غيونغ سايجاي الجبلي.وبُنيت هذه البوابة عام 1708 مع حصن جوريونغ الجبلي بعد غزو اليابانومنشوريا الذي أكد على األهمية االستراتيجية لهذا الطريق الجبلي.
بُني حصن غومو الجبلي في حوالي القرن الخامس حيث وصلت الصراعاتبين الممالك الثالث إلى ذروتها. وبلغ طول جداره األصلي 16 كيلومترا، لكن لممنه اليوم إال جزء يسير.َيبق
حلقة وصل بين الدنيا والآخرة
قدتُ السيارة لمدة حوالي 20 دقيقة باتجاه جنوب قرية سوآن-بو التي تشتهر بالينابيع الساخنة وتقع في منطقة تشونغجو، حتى ظهرت لي قرية قديمة حيث يؤدي الطريق المتعرج إلى أنقاض المعبد القديم الذي يُدعى «ميروك دايون»، أي دير مايتريا العظيم. في هذا المعبد الذي كان رمزا إلى ازدهار مملكة غوريو (918-1392)، بقي هيكل حجري مدمر وتمثال حجري عملاق لبوديساتفا مايتريا. وبجانب المعبد، توجد علامات حجرية تقود إلى هانول جاي (ممرّ السماء) الذي يُعد أقدم ممرّ جبلي سُجل في التاريخ الكوري. ويؤدي هذا الممر القديم إلى أسفل مون غيونغ التي تُعد مركزا إداريا ونقليا واقتصاديا في المنطقة.
الغابة على طول الممر المتعرج كثيفة ولكنها ليست مرعبة. الممر مريح وممتع، مما يؤدي إلى تباطؤ الخطوات بشكل طبيعي، وتسرح العيون بين الأشجار ذات الأشكال الغريبة والأزهار البرية التي تتفتح بين الصخور.
إذا هطلت الأمطار هنا وتدفقت المياه باتجاه مون غيونغ تصل إلى نهر ناكدونغ، وإذا تدفقت باتجاه تشونغجو تصل إلى نهر هان. وثمة قرية في تشونغجو تُدعى «ميروك ري» ويعني قرية مايتريا، وهي رمز للحياة الآخرة. وكذلك توجد قرية في مون غيونغ تُسمى «غوان وم ري» ويعني قرية أفالوكيتشفارا، وهي رمز للحياة الدنيا. وعلى طريق الإسفلت المتجه إلى غوان وم-ري، تنتشر الكثير من التماثيل البوذية الحجرية.
في الماضي، أُطلق على هانول جاي اسم «غيريم ريونغ» الذي يعني «تلة على شكل ديك واقف». ويذكر كتاب «تاريخ الممالك الثلاث» (سامغوك ساغي) الذي يعود تاريخه إلى عام 1145، «أنه في عام 156، فتح الملك آدالا أحد ملوك مملكة شيلا ممرّا في التلة التي على شكل الديك الواقف». لكن، يشير بعض المؤرخين بحذر إلى أن الدول القَبَليّة التي عاشت في هذه المنطقة قبل الميلاد فتحت هذا الممرّ. وفي عصر الممالك الثلاث، تصارعت بيكجي وغوغوريو وشيلا بعضها مع بعض خلال مئات السنوات لاحتلال حوض نهر هان الذي يجري وسط شبه الجزيرة الكورية لضمان إمدادات الماء. في ذلك الوقت، كانت مملكة شيلا دولة صغيرة ارتكزت كل الموارد في عاصمتها غيونغجو، حيث كانت سلطتها الملكية ضعيفة أيضا. وكانت المنطقة التي يقع فيها الممر نقطة هامة على الطريق الواقع بين الحدود، غير أن دخولها لم يقتصر على الجنود فقط. ومنذ الزمن القديم، تم تبادل السلع التي أُنتجت في الشمال مع السلع التي صُنعت في الجنوب عبر هذا الممرّ الجبلي. وعلاوة على ذلك، وصل كبير الرهبان البوذيين «آدو» من مملكة غوغوريو إلى مملكة شيلا مرورا بهذا الممر ونشر البوذية في مملكة شيلا. ويُشار إلى أن قرية موري تُعد مكانا مقدسا بالنسبة للبوذيين، ذلك أنه عاش فيها أول مؤمن بالبوذية في مملكة شيلا، وهو مَن كان يحمي كبير الرهبان «آدو» عندما وصل إلى شيلا لأول مرة لنشر البوذية.
لقد كان يسافر الناس من مملكة شيلا إلى تشانغآن، وهي شيان اليوم، عاصمة مملكة تانغ الصينية التي شهدت عصرا ذهبيا للفنون والثقافة. وكان الطريق الأكثر أمانا لهم ينطلق من غيونغجو، عاصمة مملكة شيلا مرورا بـ»هانول جاي» في مون غيونغ وتشونغجو وميناء دانغون بو في الشاطئ الغربي الذي كان أحد الموانئ على قناة نهر هان وانطلقت منه السفن المتجهة نحو الشمال.
وتشير السجلات التاريخية إلى أن وون-هيو (617-686) وإي-سانغ (625-702) الراهبيْن المشهورين في عصر مملكة شيلا قطعا هذا الطريق ذهابا وإيابا مرتين. وفي عام ٦٥٠، بدأ وون-هيو الذي كان في ٣٤ من العمر رحلته إلى مملكة تانغ الصينية للدراسة ورافقه إي-سانغ. مر هذان الراهبان بـ»هانول جاي» لكن، قبض عليهما حرس الحدود في لياو نينغ، وهي منطقة تقع شمال شرق الصين اليوم، واضطرا للعودة إلى بلادهما.
وبعد عشر سنوات من ذلك، حاول الراهبان القيام برحلة أخرى إلى مملكة تانغ الصينية، لكنهما انفصلا في ميناء دانغون بو قبل الركوب على متن السفينة. فرجع وون-هيو إلى وطنه، واستمر إي-سانغ في رحلته إلى مملكة تانغ الصينية. ويُقال إن وون-هيو شرب ماء عذبا لذيذا في الليل وهو مستيقظ نصف استيقاظة ، لكنه لاحظ في الصباح أنه شرب ماء المطر الذي تجمع في جمجمة إنسان. ثم أدرك وون-هيو أن كل شيء يعتمد على ما يفكر به. ويذكر كتاب «السير الذاتية لكبار الرهبان الكوريين» (هايدونغ غوسونغ جون) الذي نُشر عام ١٢١٥ هذه القصة. بعد ذلك، طور وون-هيو فلسفته الخاصة وترك تأثيرا كبيرا في البوذية الكورية على الرغم من أن ثقافة مملكة تانغ الصينية سادت في عصره. وقد أكمل إي-سانغ دراسته في تانغ الصينية وعاد إلى شيلا وساهم في ازدهار البوذية.

يُقال إن جوغوك غوان، البوابة الثانية على طريق مون غيونغ سايجاي الجبلي، بُنيت عام1594 مع جدران الحصن الداخلية وتُعد أول بوابة بُنيت على هذا الطريق الجبلي. كما أنالتضاريس التي تحيط بها أكثر وعورة من التضاريس التي تحيط بالبوابتين األخريين.
الطريق الأكثر ارتفاعا
خلال عصر مملكة غوريو، كان معبد «ميروك دايون» محطة عبور وفندقا رسميا يقيم فيه المسؤولون الحكوميون الذين يسافرن لأداء مهام رسمية، بالإضافة إلى أنه كان وجهة سياحية مشهورة أيضا. ويعطي نقش على قبر سيدة من عائلة هو (١٢٥٥-١٣٢٤)، هي زوجة «كيم بيون»، لمحة عن مزاج ذلك العصر. فعندما توفي زوجها، أنشأت السيدة هو معبدا في مكان قريب من قبره وأنفقت الأموال على نسخ الكتب البوذية المعروفة باسم بسوترا باستخدام حبر من الفضة والذهب لمدة أكثر من عشر سنوات لضمان الحياة السعيدة لزوجها في الآخرة. وعندما كانت في ٥٧ من عمرها، ذهبت في رحلة إلى المعابد البوذية والجبال المشهورة، ومنها «ميروك دايون». ولم يكن مستغربا أن تذهب النساء في رحلات طويلة في عصر مملكة غوريو التي اتخذت البوذية ديانة رسمية لها، إذ كانت حقوق المرأة فيها مساوية لحقوق الرجل في أغلب الأحيان.
يمكن أن نصل إلى قمة جبل تان هانغ بعد ٤٠ دقيقة من التسلق ابتداء من هانول جاي. وبعد أن نَمرّ بعدد من التلال، نصل إلى مكان يمكن أن ننظر منه إلى جوريونغ غوان، البوابة الثالثة في مون غيونغ سايجاي. وإذا اتجه ماء المطر الذي هطل على سقف جوريونغ غوان نحو الشمال الشرقي، أي نحو تشونغجو، التقى بنهر هان، وإذا اتجه نحو الجنوب الشرقي، أي نحو مون غيونغ، وصل إلى نهر ناكدونغ. وهناك طريق جبلي يربط بين تشونغجو ومون غيونغ ويبدأ هذا الطريق من جوريونغ غوان في القمة مرورا بالبوابة الثانية، جوغوك غوان، حتى البوابة الأولى، جوهول غوان. ويستغرق الذهاب مشيًا على الأقدام من هانول جاي إلى مون غيونغ سايجاي على طول التلال حوالي نصف يوم.
لقد اُفتتح طريق مون غيونغ سايجاي في أوائل عصر مملكة جوسون وحظي بشهرة واسعة على مدار ٥٠٠ عام كممر جبلي. وكان جزءا هاما من طريق يونغنام الكبير الذي امتد من هان يانغ، وهي سيول اليوم، إلى دونغ ناي، بوسان حاليا. والسؤال هنا؛ لماذا تخلى الناس في عصر مملكة جوسون عن طريق هانول جاي الذي اُستخدم لمدة أكثر من ألف عام وبدأوا باستخدام طريق مون غيونغ سايجاي الذي كان أكثر انحدارا وأعلى منه بمائة متر؟
طريق الكونفوشيوسيين
كان طريق هانول جاي هاما كونه طريقا يتصل بقناة نهر هان التي كانت تتردد عليها السفن التي تحمل الضرائب من المحاصيل المختلفة. لكن، زادت هجمات القراصنة اليابانيين على السواحل الكورية بالتزامن مع تراجع مملكة غوريو ومملكة يوان الصينية اللتين كانتا تشكلان تهديدا للقراصنة اليابانيين. وأدى انتشار القراصنة اليابانيين إلى تضاؤل حركة النقل بالسفن. وبالإضافة إلى ذلك، عندما غزت القوات المنغولية وقوات المتمردين الصينيين الذين كان يُطلق عليهم اسم ذوي العمامات الحمراء أرض شبه الجزيرة الكورية، لم يقم هانول جاي بدوره كخط دفاع، على الرغم من أن مون غيونغ سايجاي كان طريقا وعرا مفيدا في الدفاع وممرا بريا أقصر.
استمرت هجمات القراصنة اليابانيين حتى أوائل عصر مملكة جوسون (1392-1910). واستند الملك تايجونغ، وهو الحاكم الثالث لمملكة جوسون، إلى القوتين العسكرية والتجارية للقضاء على القراصنة. وكذلك ركز على بناء شبكة طرق في شتى أنحاء البلاد لتسريع التواصل والنقل. وقد أنشأ محطات البريد المسماة بـ»يوكتشام» التي قدمت الخيول وأماكن الإقامة للمسؤولين الحكوميين المسافرين لأداء المهام الرسمية. كان هذا النوع من المحطات موجودا في عصر مملكة غوريو أيضا، لكن مواقعها كانت تقتصر على النقاط الطبيعية فقط، مثل الجبال المرتفعة ومعابر الأنهار. غير أن مملكة جوسون توسعت في محطات البريد وأنشأتها بشكل منهجي ووضعت محطة لكل 30 ليا (حوالي 12 كيلومترا) ونُزُلا لكل 10 ليات (حوالي 4 كيلومترات). وفي ذلك الحين، أصبح طريق مون غيونغ سايجاي جزءا من طريق يونغنام الكبير. وكانت الرحلة عبر هذا الطريق تستغرق وقتا أقل مقارنة بالطرق الجبلية الأخرى. كما أن هذا الطريق كان واسعا بدرجة كافية في مجتمع قائم على الزراعة لم تكن به حاجة كبيرة لنقل الماشية، على الرغم من أنه لا يكفي لمرور أكثر من شخصين معا.
لكن، من ناحية أخرى فإنه من الصعب فهم لماذا لم تبن مملكة جوسون أسوارا دفاعية عندما أنشأت هذا الطريق. ولهذا السبب، عندما غزت القوات اليابانية شبه الجزيرة الكورية عام ١٥٩٢ واتجهت إلى الشمال بسرعة، لم تقدر مملكة جوسون على صدّهم هنا، في الوادي على طريق مون غيونغ سايجاي، الذي كان يفترض أن يقوم بدور الحصن الطبيعي. وفي نهاية المطاف، خسرت جوسون في معركة الفرسان في تشونغجو، مما دفع الملك سونجو إلى التخلي عن العاصمة واللجوء إلى بيونغ يانغ، وإلى أقصى الشمال في وقت لاحق. وفي السنة التالية، بُنيت بوابتان دفاعيتان لحماية طريق مون غيونغ بناء على اقتراح رئيس مستشاري المملكة ريو سونغ-ريونغ (1542-1607). لكن، لم يتم بناء البوابة الثالثة التي نعرفها حاليا، وتأخر بناؤها حتى أوائل القرن الثامن عشر، أي بعد غزو منشوريا الثاني الذي حدث عام 1636-1637. ومنذ ذلك الوقت، لم تقع حروب كبيرة، ولعبت البوابات دورها كحصن يصدّ هجمات المعتدين، أو ممرا للمبعوثين الدبلوماسيين.
عانت كل من مملكة غوريو ومملكة جوسون من الحروب وعدم الاستقرار والاضطرابات الناجمة عن هجمات القوات الخارجية، إلا أن الحياة التي اصطبغت بها طريق مون غيونغ سايجاي كانت تختلف اختلافا كبيرا بين العصرين؛ ففي عصر مملكة جوسون التي اتخذت الكونفوشيوسية ديانة رسمية لها، كان نصف المدن الكبرى العشر متصلة بطريق يونغنام الكبير واُعتبر ممر مون غيونغ سايجاي رمزا للجوانب المميزة لدى ثقافة جوسون، حيث كانت الامتحانات لاختيار موظفي الحكومة تُعقد بشكل دوري في حين كانت تُعقد بشكل غير منتظم في عصر مملكة غوريو. وكان تحقيق النجاح في هذه الامتحانات التي تُعرف بـ»غواغو» يُعد خطوة أولى أساسية نحو الشهرة والنجاح. ولذلك، كان يذهب الكثير من العلماء الكونفوشيوسيين من منطقة يونغنام، وهي محافظة غيونغ سانغ اليوم، للمشاركة في الامتحانات الوطنية مرورا بهذا الطريق وهم يحلمون بالنجاح، وكانت العودة مسيرة النصر والنجاح أو مسيرة الخيبة والخجل.
كما أن علماء الكونفوشيوسية كانوا يسافرون إلى العاصمة مرورا بهذا الطريق عندما يريدون تقديم نصائح أو تحذيرات للملك لتصحيح الأخطاء في إدارة الدولة. وإذا غادر العلماء من منطقة آندونغ التي كانت تعتبر مركز الكونفوشيوسية الكورية إلى العاصمة كانوا يحملون استدعاءاتهم ومطالباتهم الخطية، وكان المرور بطريق مون غيونغ سايجاي يستغرق أربعة أيام وكانت رحلتهم كاملة تستغرق حوالي ثلاثة أشهر على الأقل حتى العودة مع النتائج إلى مناطقهم. ربما كانت المحطات والفنادق القريبة من ممر مون غيونغ سايجاي الجبلي مزدحمة بالكثير من الناس ومنهم المفتشون الملكيون الذين يبعثهم الملك إلى جميع أنحاء المملكة لأداء المهام السرية والمسؤولون الحكوميون الذين يسافرون لتوصيل الوثائق الحكومية، فضلا عن السياح الذين يسافرون لرؤية المعالم الطبيعية ذات المناظر الخلابة. وبين البوابتين الأولى والثانية يوجد جناح يلتقي فيه حاكم محافظة غيونغ سانغ المنتهية ولايته بالحاكم المعين حديثا لنقل السلطة رسميا. وأمام هذا الجناح، يوجد شلال صغير كان يجذب الشعراء والفنانين.
وعلاوة على ذلك، فإن البعثات الدبلوماسية إلى اليابان كانت تستخدم هذا الطريق أيضا. وأرسلت جوسون واليابان بعثات دبلوماسية لمداواة الجروح التي تركها الغزو الياباني خلال الفترة ما بين عامي 1592 و1598 وإعادة تبادل البعثات الديبلوماسية وبناء السلام بينهما. وبلغ عدد المبعوثين الذين كانوا يمثلون المعرفة والثقافة لمملكة جوسون ما بين 400 و600 شخص. وغادر المبعوثون من سيول ومروا بعدة مدن قبل عبور ممر مون غيونغ سايجاي متجهين نحو بوسان التي ركبوا منها السفن. وقد حددت الحكومة المركزية أن يكون طريق الإياب مختلفا عن طريق الذهاب لتقليل الأعباء المالية التي تتحملها المناطق المحلية لتوفير الغذاء والإقامة للمبعوثين.
عندما غزت القوات اليابانية شبه الجزيرة الكورية عام 1592 واتجهت إلى الشمال بسرعة، لم تقدر مملكة جوسون على صدّهم هنا، في الوادي على طريق مون غيونغ سايجاي، الذي كان يفترض أن يقوم بدور الحصن الطبيعي.
ة في طريق يونغنامّاألرنب في األرض المنحدرة( هو الجزء األكثر حدّتوكي بيري )ممرالكبير. ويقع هذا الممر على المنحدرات الصخرية التي تطل على نهر يونغ. لكن، أصبحسطح الممر الصخري أكثر سالسة بسبب الخطوات التي خطاها عدد ال يُحصى من الذينعبروا الممر على مدى مئات السنوات.
طريق المجهول
إذا مررتَ بعدد من التلال الصخرية بعد دخول البوابة الثالثة لممر مون غيونغ سايجاي ومشيت إلى أعلى باتجاه الممر المنحدر ذي السلالم الكثيرة لمدة ٩٠ دقيقة، فستصل إلى قمة جبل جوريونغ الذي يعني اسمه جبلا تمر به الطيور ويبلغ ارتفاعه 1026 مترا. وإذا ذهبت إلى أسفل جنوبا فستصل إلى إيهوا ريونغ الذي يعني ممر زهور الكمثرى. ومن هنا، تنفصل المجاري المائية أيضا. وإذا جرى الماء باتجاه غويسان فسيصل إلى نهر هان، وإذا جرى باتجاه مون غيونغ فيصل إلى نهر ناكدونغ.
كان ممر إيهوا ريونغ محفوفا بالمخاطر بسبب وجود الحيوانات المفترسة. ولذلك، كان الناس الذين يريدون المرور به ينتظرون حتى يتجمع العدد الكافي من الناس ويمرون به معا. ومن الواضح أن هذا الممر كان موجودا منذ العصور القديمة نظرا لأنه كان طريقا وحيدا يربط بين مون غيونغ في محافظة غيونغ سانغ وغويسان في محافظة تشونغ تشونغ، غير أنه ليس ثمة وثيقة أو سجل تاريخي يدل على ذلك، بل هناك شهادات لبعض المسنين يقولون إنه عندما كانوا في سن صغيرة، رأوا بعض الأشخاص يمرون بهذا المسار، منهم الباعة المتجولون يحملون الأمتعة على ظهورهم وتجار الأبقار يعبرون الممر يقودون أبقارهم. وتشير أقوالهم إلى أن هذا الممر كان فرعا من الطريق الجبلي الرئيس المؤدي إلى تشونغجو.
لكن، لماذا يختار هؤلاء الناس هذا الممر الخطر بدلا من طريق مون غيونغ سايجاي الذي كان أكثر أمانا وأكثر راحة بوجود الكثير من أماكن الإقامة؟ كان معظمهم باعة متجولون يُعرفون باسم بوبوسانغ. وربما فضلوا عبور ممر إيهوا ريونغ معا مستأنسين بأصوات الحيوانات المتوحشة بدلا من طريق مون غيونغ سايجاي الذي قد يصادفون فيه رجال الشرطة الذين يترصدون أخطاءهم للحصول على الرشاوى. وفي التاريخ الكوري، لم يكن بوبوسانغ من الطبقات الاجتماعية المحترمة، غير أنه كلما واجهت الدولة أزمة كبيرة بادر أبناء هذه الطبقة بالمخاطرة بحياتهم وقاموا بدور الريادة للتغلب عليها.
تحول هذا الممر الجبلي القديم إلى طريق جديد يربط بين منطقة يونغنام وسيول في عام ١٩٢٥ حيث كانت كوريا تحت الحكم الاستعماري الياباني. والآن، أصبح طريقا هادئا يتردد عليه المتسلقون وهواة الدراجات بعد إنشاء نفق إيهوا ريونغ عام ١٩٩٤ وطريق جونغبو الداخلي السريع بجانبه عام ٢٠٠١.
والآن، أي طريق من هذه الطرق الثلاثة تشدّك كي تتنزه فيه؟
يقف تمثال مايتريا من الغرانيت الذي يبلغ طوله 10.6 متر في معبد ميروك دايون (ديرمايتريا العظيم). ويواجه التمثال الباغودا الصخرية التي يبلغ طولها 6 أمتار وتتكون منخمسة طوابق وهيكال صخريا يُوضع فيه المصباح. ومن المفترض أن يكون هذا المعبد قدبُني خالل أوائل عصر مملكة غوريو وكان يقوم بدور المعبد والفندق في آن واحد.