أُدرجت السيروم، وهي مصارعة كورية تقليدية، ضمن قائمة التراث الإنساني الثقافي غير المادي لليونسكو بتكاتف جهود الكوريتين؛ الجنوبية والشمالية، في حدث لم يسبق له مثيل، مما أنعش الآمال في تحسين العلاقات بين البلدين.
منظر من اللوحة الجدارية في قبر غاكجو تشونغ (قبر المصارعين) الذي يعودتاريخها إلى أوائل القرن الخامس خالل عصر مملكة غوغوريو. تُعد هذه اللوحةأقدم سجل تاريخي عن "السيروم" وتعرض وضعية مشهورة تمثل سيروم اليوم.© باك هونغ-سون
السيروم مصارعة كورية تقليدية من الرياضات التقليدية الشائعة، وفي هذه الرياضة يلفّ كل مصارع حزاما من القماش حول خصره وفخذه، يُعرف الحزام بالكورية باسم « ساتبا»، ويمسك كل من مصارعي السيروم بحزام الآخر. ومن ينجح أولا في جعل جزء من جسم خصمه مما فوق الركبة يلمس الأرض، يَفُزْ في المباراة.
تجري هذه الرياضة في حلبة صغيرة مغطاة بالرمال، وتتطلب أن يتحلى المصارع بقوة العضلات وبِرَدّ الفعل السريعة والقدرة على التحمّل، فضلا عن مهارة التقنيات الجسدية باستخدام اليد والقدم والظهر، بالإضافة إلى المتانة البدنية والعقلية.
لا يعتبر الشعب الكوري السيروم مجرد رياضة فلكلورية لأن مباريات السيروم كانت جزءا لا يتجزأ من الاحتفالات بالأعياد الخاصة في التقويم القمري، لكونها تبعث الحيوية والطاقة. وفي الماضي، كان كل شخص في القرية يشارك في مباريات السيروم بصفته مصارعا أو متفرجا.
ومن نواحٍ عديدة، تحظى السيروم بأهمية اجتماعية ومجتمعية مهما اختلفت المواهب والأذواق الشخصية. ولهذا السبب، نجت السيروم من الاضطرابات التي شهدها النصف الأول من القرن العشرين، حيث فقدت كوريا سيادتها وعانى شعبها معاناة عظيمة تحت قمع الحكم الاستعماري الياباني. آنذاك، كانت تُعقد مباريات السيروم على المستوى الوطني لمدة شهر وساهمت في الحفاظ على الهوية العرقية والثقافية للكوريين. لكن، في نهاية فترة الحكم الاستعماري، حظرتها اليابان بشكل تام.
بعد استقلال شبه الجزيرة الكورية عن الحكم الاستعماري الياباني انقسمت كوريا إلى شطرين؛ جنوبي وشمالي. غير أن الانقسام لم يقلل من مكانة السيروم بوصفه إرثا ثقافيا مشتركا للشعب الكوري. وفي الجنوب، اُختيرت السيروم ضمن الألعاب الرياضية الرسمية للمهرجان الوطني السنوي للرياضة منذ ما قبل تأسيس حكومة جمهورية كوريا. وحتى الآن، تُقام مباريات كبيرة على المستويين المحلي والوطني. واليوم، لا تحظى السيروم بشعبية كبيرة كتلك التي كانت تحظى بها في الماضي، لكن لا تزال توجد فرق للسيروم في العديد من المدارس في جميع أنحاء البلاد. كما أن هناك الكثير من مصارعي السيروم الذين ينتمون إلى فرق تمثل المناطق أو الشركات. وفي كوريا الشمالية، حافظت السيروم على مكانتها الخاصة بوصفها رياضة شعبية هامة أيضا. وفي كل فصل خريف، تُقام مباريات على المستوى الوطني خلال فترة عيد الحصاد «تشوسوك». وفي اليوم الخامس من الشهر الخامس بالتقويم القمري، تُقام مباريات السيروم على المستوى المحلي. وفي اليوم العالمي للطفل الذي يصادف اليوم الأول من يونيو، تُقام أيضا مباريات السيروم للصغار على المستوى الوطني.
أدلة قديمة
لعل أقدم دليل معروف على وجود رياضة السيروم ما نُقش على قبر قديم يعود تاريخه إلى عصر مملكة غوغوريو (37 قبل الميلاد – 668 بعد الميلاد)، وهو قبر غاكجو تشونغ الذي يعني قبر المصارعين، ويقع في مقاطعة جيلين بشمال شرق الصين، وعلى لوحته الجدارية، رُسم مصارعان يَضع كلٌ منهما كتفه على كتف الآخر مع ثني خصريهما. أي، تعرض هذه اللوحة الجدارية وضعية مشهورة تمثل السيروم اليوم. كما أن هذه اللوحة التي تصف المصارعين بدقة ويعود تاريخها إلى أوائل القرن الخامس تشير إلى أن الشعب الكوري كان يلعب المصارعة التقليدية منذ وقت مبكر في التاريخ الإنساني.
وتدل هذه اللوحة الجدارية على أن السيروم اكتسبت أهمية خاصة ولم تكن مجرد رياضة أو لعبة في المجتمع الكوري القديم. فالشجرة في الجانب الأيسر من اللوحة عبارة عن «شجرة مقدسة» كانت تعبدها بعض الحضارات القديمة في العديد من أنحاء العالم، حيث مثلت الشجرة أصل الحياة والممر الرابط بين الأرض والسماء. كما أن الطيور التي تحطُّ على أغصان الشجرة ترمز إلى الوسيط بين الدنيا والآخرة. ومن الواضح أن مباراة السيروم التي تجري بجانب هذه الشجرة المقدسة ليست مجرد مسابقة رياضية، بل إنها طقوس اجتماعية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدب والنمر اللذين يميلان إلى جذع الشجرة يُعدان من الرموز الرئيسة في الأسطورة التأسيسية لأول دولة كورية.
لقد رُسمت مباريات السيروم في العديد من اللوحات الجدارية في القبور القديمة الأخرى، وهذا يعني أن السيروم كانت تحظى بإقبال كبير من أبناء الطبقة الاجتماعية العليا مثل الملوك والنبلاء. غير أن ذلك لا يعني أن التمتع بها كان يقتصر على فئة معينة. ومن ملابس المصارعين وأساليبهم في تصفيف الشعر التي تظهر في الرسومات على اللوحات الجدارية، لا نجد خصائص مميزة تختص بها طبقة اجتماعية بعينها مثل طبقة النبلاء. وهذا يشير إلى أن السيروم نالت شعبية واسعة بين عامة الناس أيضا.
ويذكر كتاب التاريخ المعروف بعنوان «تاريخ الممالك الثلاث» (سامغوك ساغي) الذي يعود تاريخه إلى عام 1145 إن كيم يو-سين من العائلة النبيلة مزّق ثياب كيم تشون-تشو من الطبقة النبيلة في مملكة شيلا خلال مباراة السيروم. كما يشير كتاب التاريخ الموسوم بـ «تاريخ مملكة غوريو» (غوريو سا) الذي تم تأليفه عام 1451 إلى أن الأشخاص من جميع الطبقات الاجتماعية تمتعوا بـ»السيروم» سواء أكانوا ملوكا أم موظفين أدباء أم عسكريين في أوائل القرن الرابع عشر، حيث كانت مملكة غوريو تحت سيطرة الإمبراطورية المنغولية. ويشير هذا الأمر إلى جهود الشعب الكوري لتعزيز وحدتهم وهويتهم بوساطة رياضة السيروم التقليدية.
تضامن مجتمعي
"سيروم" من "مجموعة اللوحات ذات الموضوع الخاص للفنان دانوون" التيرسمها كيم هونغ-دو (1745-حوالي 1806)، القرن الثامن عشر، بالحبرواللون الفاتح على الورق، x 26.9 22.2 سم.ُيشار إلى أن هذه اللوحة المشهورة ذات الموضوع الخاص التي رسمها كيم هونغ-دو الرسام الحكومي في أواخر عصر مملكة جوسون، تصف النبالء وعامة الناسواألطفال الذين يتمتعون بمشاهدة مباراة المصارعة الكورية التقليدية. تصور اللوحةمشهدا يشكل فيه األشخاص دائرة متوازنة وتعبر بوضوح عن الطاقة الحيوية التيتظهر في وجوه الناس وحركاتهم.© المتحف الوطني الكوري
في ضوء ما سبق، نرى أن لوحة «السيروم»، وهي لوحة ذات موضوع خاص رسمها الفنان كيم هونغ-دو في القرن الثامن عشر خلال عصر مملكة جوسون، تدل على الوظيفة الاجتماعية للمصارعة الكورية التقليدية التي تتمثل في توحيد أفراد المجتمع من جميع الفئات العمرية والطبقات الاجتماعية. وتقدم هذه اللوحة القديمة الأكثر شهرة في هذه الأيام صورة واضحة للحظة الحاسمة التي أوشكت فيها المباراة على الانتهاء. وفي اللوحة، يحاول مصارع في الخلف أن يمسك بساق منافسه سعيا لإسقاطه أرضا، في حين يحاول المصارع الآخر في الأمام رفع جسم خصمه باستخدام قوة ظهره لكي يرميه أرضا. كما أن مظهر المتفرجين الذين يحيطون بهما مثير للاهتمام، ويُشير إلى أن الناس من جميع الفئات كانوا يجلسون معا لمشاهدة المباراة سواء أكانوا نبلاء أم من عامة الناس، صغارا أم كبارا. وذلك أمر غير عادي في ذلك العصر الذي ساد فيه النظام الطبقي الصارم.
لقد أُدرجت السيروم في قائمة اليونيسكو للتراث الثقافي الإنساني غير المادي باسم «المصارعة الكورية التقليدية المسماة بالسيروم» في 26 نوفمبر عام 2018، حيث حصلت على إجماع 24 دولة عضوا شاركت في الدورة الثالثة عشرة لاجتماع اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي التي عُقدت في بورت لويس في موريشيوس. وكان الترشيح المشترك من الكوريتين أمرا لم يسبق له مثيل.
وأقرت لجنة اليونسكو بالأهمية الاجتماعية للمصارعة الكورية التقليدية، والحقيقة أن هذه الرياضة حافظت على شعبيتها ونمطها الأصلي خلال حوالي 1600 عام في كل من الشطرين الجنوبي والشمالي في شبه الجزيرة الكورية. وأوضحت اللجنة، «قد طورت المناطق الكورية المختلفة أشكالا متنوعة من السيروم بناء على ظروفها الخاصة، غير أن كلها تقوم بالدور نفسه في تعزيز التضامن والتعاون الاجتماعي». وأضافت، «الإدراج المشترك يمثل خطوة رمزية لتحقيق المصالحة بين الكوريتين».
يُعد هذا الإدراج المشترك لرياضة «السيروم» ضمن قائمة اليونسكو التراث الإنساني الثقافي غير المادي فرصة طيبة للمضي قدما في تحقيق المصالحة والتوحيد بتجسيد الروابط القومية بين الكوريتين.
خطوة رمزية
يستمتع جو ميونغ-جين بفوزه في الدورة الثانية عشرة منجائزة الثور الكبير الوطني لـ"السيروم" التي ُعقدت في سبتمبرعام 2015 في حلبة المصارعة الكورية التقليدية في جزيرةرونغرا في بيونغ يانغ. وكان الثور جائزة تقليدية لمبارياتالسيروم.© وكالة يونهاب لألنباء
لقد اتسعت الفروق والاختلافات بين الكوريتين نظرا لاختلافهما في النظام السياسي واستمرارهما في المواجهة السياسية والعسكرية منذ سبعين عاما. ولهذا، تختلف الكوريتان اختلافا عميقا بعضهما عن بعض في جوانب عدة. وفي هذه الظروف، يُعد الإدراج المشترك لرياضة «السيروم» ضمن قائمة اليونيسكو للتراث الإنساني الثقافي غير المادي فرصة طيبة للمضي قدما في تحقيق المصالحة والتوحيد بتجسيد الروابط القومية بين الكوريتين.
بالطبع، قد شكلت الكوريتان فرقا مشتركة شاركت في المباريات الدولية لمختلف الرياضات ومنها كرة الطاولة وكرة القدم للشباب وهوكي الجليد. لكن هذه الفرق مؤقتة، تم تشكيلها لمباراة محددة، ولم يشترك الرياضيون المنتمون إلى الفرق المشتركة في المشاعر والأحاسيس إلا فرحا في الفوز أو ألما من الخسارة.
تجري الآن المناقشات بين حكومتي الكوريتين والمنظمات الرياضية من كلا الشطرين بشأن تنظيم المباريات المشتركة لـ»السيروم». وإذا توصلت إلى الاتفاق على إقامة المباريات المشتركة الدورية، فسيكون ذلك تقدما كبيرا نحو السلام والمصالحة. كلنا أمل أن تُقام المباريات المؤهلة للبطولة في أرجاء شبه الجزيرة الكورية ويكون لكل شخص حق المشاركة فيها، سواء أكان رياضيا محترفا أم هاويا، ثم يتنافس الفائزون الإقليميون في المباريات النهائية للبطولة الوطنية حسب فئاتهم. وعلاوة على ذلك، نتطلع إلى أن تبذل الكوريتان جهودا مشتركة لتعزيز مكانة السيروم العالمية لتحظى بشعبية واسعة بين الشعوب في جميع أنحاء العالم.
يسعى كل مصارع إلى إسقاط خصمه أرضا في مهرجانالسيروم الكوري المفتوح الذي ُعقد في ملعب آندونغ في 26نوفمبر 2018. وفي ذلك اليوم، وافقت اليونسكو على الطلبالمشترك الذي قدمته الكوريتان وأُدرجت السيروم، المصارعةالكورية التقليدية، ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غيرالمادي للبشرية.© وكالة يونهاب لألنباء