تُعد «جين دو» ثالث أكبر جزيرة في كوريا. وتقع في أقصى جنوب غرب كوريا وتحيط بها مئات الجزر الكبيرة والصغيرة. وتشتهر هذه الجزيرة التي تقع على الطريق البحري الذي يربط بين الصين واليابان بتاريخها الغني، وخصوبة تربتها وأغانيها الفلكلورية وطقوسها الدينية البوذية، وبكونها منفى السياسيين والعلماء والمفكرين، فضلا عن تاريخها في النضال البطولي والكفاح المرير ضد الاستعمار والظلم والطغيان.
منظر جزيرة جين دو، يمكن رؤيته من جبل تشوم تشال، حيث تحمي الجبال المنخفضة الحقول من الرياح البحرية.ويمكن رؤية منطقة هينام في شبه الجزيرة الكورية عبر البحر.
في ٩ من سبتمبر عام ١٨١٦، ذهب قائد السفينة الحربية البريطانية المسماة بليرا «باسيل هول» إلى أعلى نقطة في جزيرة سانغجو قبالة ساحل جين دو، أو جزيرة جين، ونظر إلى الأرخبيل الذي يتشكل من أكثر من مائة جزيرة، لقد أدهشه «المنظر الخلاب».
اليوم، بُنيت حديقة باسيل هول بجانب مرصد جبل دوري في جين دو تكريما لزيارة هذا القائد البريطاني، وإذا وصلتَ إلى مرصد سيبانغ ناكجو على الساحل الجنوبي الغربي قبل الشفق، تمتعت بالمنظر الجميل الذي وصفه هول. وإذا رأيت الجزر تحت الغيوم التي تلوّنها شمس الغروب باللون الوردي فأنت محظوظ. وهذه الجزر التي تتناثر في البحر، وتبدو كالطيور السوداء، تشكل أرخبيل جودو الذي أذهل منظره القائد البريطاني وطاقم سفينته.
كان هذا القائد البريطاني مبعوثا خاصا يقوم بمهمة تنشيط التجارة مع الصين، وحينئذ، تلقى أمرا بالبحث عن الساحل الغربي لمملكة جوسون، وهي كوريا اليوم. لقد سجل هذا القائد تفاصيل رحلته في كتابه «رحلة لاكتشاف الساحل الغربي لكوريا وجزر ريوكيو» ونُشر هذا الكتاب عام ١٨١٨، وأخبر العالم بأن جين دو جزيرة يمكن الوصول إليها بالسفن. كان ذلك قبل نصف قرن من فتح الموانئ الكورية رسميا أمام اليابان ثم القوى الغربية. ويُقال إن بريطانيا طلبت من مملكة جوسون استئجار جين دو وأرخبيل جودو، ويعتقد السكان المحليون في جين دو أنه لو استأجرت بريطانيا جزيرتهم آنذاك، لتطورت إلى مركز تجاري مهم، مثلما هو حال هونغ كونغ اليوم.
وإن كان فاتها فرصة أن تكون مركزا تجاريا عالميا، فقد أصبحت جين دو بوتقة تلتقي فيها العناصر الأجنبية والمحلية وتتفاعل لتحقق الانسجام والازدهار، لكن موقعها الجغرافي الاستراتيجي جعلها مسرحا لسفك الدماء واليأس. فهذه الجزيرة الواقعة في أقصى حواف شبه الجزيرة الكورية كانت دائما في قلب الأحداث التاريخية.
أرض الخصب والموسيقى
تبلغ مساحة جين دو حوالي ٣٦٠ كيلومترا مربعا، أي ما يمثل ٦٠ في المائة من مساحة العاصمة سيول، وتستغرق الرحلة من سيول إليها حوالي أربع ساعات؛ ساعتين ونصف الساعة لقطع المسافة بين سيول وميناء موكبو في محافظة جولا الجنوبية على متن القطار الكوري السريع، الذي يتميز بسرعته العالية البالغة ٣٠٠ كيلومتر في الساعة، ثم ساعة أخرى أو أكثر للانتقال بالسيارة من ميناء موكبو إلى الجزيرة عبر طريق بري ينتهي بجسر يبلغ طوله حوالي ٥٠٠ متر، يربط بين البر الكوري وجين دو.
في بحر جين دو، تلتقي التيارات البحرية الباردة القادمة من الشمال إلى الجنوب بالتيارات البحرية الدافئة القادمة من المناطق الاستوائية إلى الشمال، كما أن تيارات المد والجزر السريعة حول جين دو من العناصر الرئيسة التي تزيد سرعة مياه البحر حول الجزيرة. وكانت هذه التيارات السريعة تساهم في نقل العديد من المبعوثين من الصين واليابان، بالإضافة إلى السفن المحملة بالبضائع، ليس من الساحل الجنوبي والغربي لكوريا فحسب، بل كذلك من غايغ يونغ في الشمال التي كانت عاصمة لمملكة غوريو وهان يانغ، وهو الاسم القديم لمدينة سيول . كما أن الحيوانات البحرية المتنوعة في جين دو مثل سرطان البحر والأنشوفة وأذن البحر والأخطبوط الصغير، فضلا عن النباتات البحرية المتنوعة، تشير إلى الميزات التي يسببها التقاء التيارات البحرية في مياه هذه الجزيرة.
إذا تجولنا في جين دو نسينا حقيقة أنها جزيرة، حيث يمكن أن نجد المناظر النمطية للقرى الزراعية التي تشكلها الجبال والسهول. وخلافا للجزر الأخرى، فإن جين دو تتسم بوجود الأراضي الزراعية الواسعة، ويمكن رؤية خزانات المياه منتشرة في أماكن كثيرة منها. وذلك نتيجة لاستصلاح الأراضي البحرية منذ عدة قرون، حيث بذل سكان الجزيرة جهودهم المستمرة في زيادة مساحة الأراضي الزراعية عن طريق نقل تراب الجبل إلى الساحل.
ولهذا السبب، أُطلق عليها اسم «أوكجو» الذي يعني «الأرض الخصبة». وهذه الجزيرة أكبر مورد للبذور في كوريا، ويمثل الأرز أهم المحاصيل الرئيسة فيها. في الماضي، كان يتم نقل محاصيل الأرز التي تُنتج في هذه الجزيرة إلى جزيرة جيجو التي تزيد مساحتها على مساحة جين دو أربع مرات، لكن أرضها غير مناسبة لإنتاج الأرز. وهناك قول قديم ذو مغزى عن جين دو، «سنة زراعية جيدة توفر الغذاء لثلاث سنوات».
وتشكل هذه البيئة الريفية خصائص سكان الجزيرة الذين يحبون الغناء والرقص. وحتى اليوم، حين تتجول في أي قرية من جين دو، يمكن أن تسمع النساء يغنينَ الأغاني الفلكلورية الجميلة مثل «يوكجا بيغي». وتختلف الأغاني التي يمكن سماعها في الحقول الزراعية خلال الموسم الزراعي الصيفي من حيث الألحان والإيقاعات. وهذا يعني أن الأغاني التي يغنونها في حقول الأرز تختلف عن الأغاني في الحقول العادية.
عندما يطلع بدر الحصاد في الشهر الثامن من التقويم القمري، تتجمع النساء والفتيات مرتديات ملابس جديدة ويرقصن الرقص الدائري «غان غانغ سولاي»، فتمسك كل واحدة منهن بيد الأخرى أو يغنين الأغنية الفلكلورية «جين دو آري رانغ» التي لا نهاية لها. بينما يشارك الرجال في «نونغ آك» الذي يمزج بين الموسيقى والرقص والطقوس الدينية، وأُدرج ضمن قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.
لهذا، لا عجب أن هذه الجزيرة التي يبلغ عدد سكانها 30.000 نسمة فقط، لديها مؤسسة موسيقية تقليدية خاصة بها تتكون من ثلاثة فرق، وهي فرقة عازفي الآلات الموسيقية والمغنين والراقصين. كما أن هناك قاعة حفلات موسيقية حديثة ومرافق تدريبية مخصصة للموسيقى التقليدية الكورية التي تُسمى بـ»غوك آك» في مركز جين دو الوطني للموسيقى التقليدية الكورية.
يقع " سيبانغ ناكجو"في جزيرة جين دو، أي في أقصى جنوب كوريا.وعندما يبدأ غروب الشمس، تتحول ٤٥١ جزيرة صغيرة إلى نقاط سوداء وتشكل منظرا خالبا.
إذا تجولنا في جين دو نسينا حقيقة أنها جزيرة، حيث يمكن أن نجد المناظر النمطية للقرى الزراعية التي تشكلها الجبال والسهول. وخلافا للجزر الأخرى، فإن جين دو تتسم بوجود الأراضي الزراعية الواسعة، ويمكن رؤية خزانات المياه منتشرة في أماكن كثير منها.

آثار المنفيين
في وسط سعادة الحصاد والغناء، يكمن الحزن واليأس في تاريخ جين دو، إذ كانت هذه الجزيرة منفى مثاليا بسبب بعدها عن العاصمة، وكانت الحكومة تُرسل العلماء والمفكرين والسياسيين لأسباب سياسية أو إيديولوجية إلى جين دو. وبالنسبة لهم، كانت جين دو أرضا نائية يُنسون ويتعفنون فيها. لكن، أصبح هؤلاء المنفيون هدايا ثمينة لهذه الجزيرة.
أقام العلماء والسياسيون المنفيون فيها مددا تتراوح بين ثلاثة أعوام وعشرين عاما واختلطوا مع السكان الأصليين. ونتيجة لذلك، نُقلت ثقافات المناطق الأخرى والروح والقيم الجديدة إلى الموهوبين المحليين في جين دو. وبالتالي، كانت ثقافتها أكثر تنوعا وثراء من معظم المناطق الأخرى في كوريا.
على سبيل المثال، حصلت جين دو اليوم على الاعتراف بها كمركز للمدرسة الجنوبية لفنون الأدب. وفي هذا العام، استضافت الدورة الأولى من معرض بينالي جونام الدولي لفنون السوموك. ومن اسم المعرض، فإن سوموك، كلمة تدل على الرسم بالحبر، وأما جونام فتعني محافظة جولا الجنوبية. وذلك بفضل اثنين من أبناء جين دو، وهما هو ريون (١٨٠٩-١٨٩٢) وهو بايك-ريون (١٨٩١-١٩٧٧) وهما من أبرز رسامي المدرسة الجنوبية للفنون في كوريا.
وتلقى كلاهما التعليم والدعم من المنفيين الذين جلبوا المعرفة العميقة والذوق الفني من العاصمة. وفي السياق نفسه، تطورت ثقافة التخمير البيتي. ومن الأدلة على ذلك، هناك هونغ جو الذي يعني حرفيا «الخمر الأحمر». وهونغ جو مصنوع بخلط جذور الأعشاب المجففة المسماة بـ»جيتشو» مع خمر الأرز خلال عملية التقطير، وهذا يؤدي إلى تحول لون الخمر إلى اللون الأحمر. كما أن سكان الجزيرة تمتعوا بالشاي المُعدّ من البراعم الصغيرة التي تُوجد في الجبال والحقول في جميع أنحاء الجزيرة. وهذا أيضا من الآثار التي تركها المنفيون.
نقاط تحول عسكري
في عصر مملكة جوسون (١٣٩٢-١٩١٠)، كان أقصر طريق إلى جين دو هو الطريق البحري الممتد من قاعدة القيادة البحرية اليمنى في هينام إلى ميناء نوكجين، لكن التيارات البحرية القوية حول الجزيرة جعلت الناس العاديين يسلكون الطريق الذي يبلغ طوله كيلومترا واحدا وتنطلق من ميناء بيوكبا. وإذا مررنا بالتل الذي يقع بجانب ميناء بيوكبا، وصلنا إلى موقع قلعة يونغ جانغ الجبلية التي كانت مقرا رئيسا لقوات «سام بيول تشو»، وهي ثلاث وحدات عسكرية من النخبة، قاومت قرار حكومة مملكة غوريو بإقامة علاقات ودية مع منغوليا التي غزت شبه الجزيرة الكورية عام ١٢٣١. واستمرت هذه الوحدات العسكرية الثلاث بالمقاومة وتراجعت إلى جين دو، حيث كانت تحلم ببناء «غوريو جديدة» وحاربت ضد قوات منغوليا حتى النهاية.
كانت جين دو موقعا مثاليا للدفاع. وصلت «سام بيول تشو» إليها في أغسطس عام ١٢٧٠، ثم عسكرت في قرية يونغ جانغ وبدأت ببناء القلعة الدفاعية حول معبد يونغ جانغ البوذي الذي كان أكبر معبد بوذي في الجزيرة. وعينت «سام بيول تشو» ملكا لها تحت اسم مملكة غوريو وبَنت قصرا يتطابق شكله مع شكل مانوول داي القصر الملكي لمملكة غوريو في العاصمة غاي غيونغ التي تحول اسمها إلى غاي سونغ حاليا، واتخذته مقرا لها.
وأيد سكان جين دو أهداف «سام بيول تشو» وقدموا لها الدعم والمساعدة. وحلموا أيضا بالتحرر من منغوليا التي احتلت جزءا كبيرا من الأراضي الكورية. لكن المقاومة لم تدم طويلا. وبعد أقل من سنة، وقعت قلعة يونغ جانغ الجبلية تحت سيطرة القوات الموحدة لغوريو ومنغوليا وانتهت المقاومة عام ١٢٧١.
دت قوات " سام بيول تشو"، أي ثالث وحدات عسكرية من النخبة في مملكة غوريو، القلعة ش يّ المعروفة باسم " نام دو جين سونغ"في القرن الثالث عشر للدفاع عن المنطقة الساحلية ضد الغزاة المنغوليين.وخالل عصر مملكة جوسون، اُستخدمت كموقع للدفاع في وجه الغزاة اليابانيين.
بِمَ شعر سكان جين دو عندما رأوا جزيرتهم تتحول في لحظة إلى ساحة معركة دموية؟ هناك مكان في الجزيرة يدل على شعورهم آنذاك. وحتى يومنا الحالي، يمارس سكان الجزيرة الطقوس التذكارية في الضريح الذي قُدم إلى قائد الوحدات الثلاث «باي جونغ-سون» يوم طلوع أول بدر في العام الجديد حسب التقويم القمري. يؤكد علماء التاريخ أن «سام بيول تشو» أحرقت وثائق الهوية التي تشير إلى الطبقة الاجتماعية لأصحابها قبل الانتقال إلى جين دو. وهذا يعني أن «سام بيول تشو» قاومت نظام الطبقات الاجتماعية الصارم في مجتمع مملكة غوريو، وحلمت ببناء دولة جديدة ديموقراطية. وبعد انتهاء المقاومة، أخذت منغوليا حوالي ١٠ آلاف من سكان جين دو كأسرى وأنشأت مزرعة للخيول في أرض الجزيرة. وذلك يضيف مصداقية إلى النظرية التي ترى أن كلب جين دو الكوري المحبوب، وهو كنز وطني رسمي، من سلالة الكلاب الهجينة من الكلب المنغولي لحراسة الماشية والكلب المحلي في الجزيرة.
وبعد حوالي ٣٠٠ عام، خلال الغزو الياباني الثاني (١٥٩٧-١٥٩٨)، حظي ميناء بيوكبا بالاهتمام مرة أخرى. حيث عاد القائد العظيم «لي سون سين» إلى منصبه قائدا بحريا أعلى لمنع تقدم الأسطول الياباني الذي أُرسل لدعم قوات الغزاة لتويوتومي هيديوشي. لكن، كان عدد سفنه الحربية ١٢ سفينة فقط، لأن القوات البحرية لمملكة جوسون أصابتها أضرار كبيرة خلال سلسلة من المعارك ضد قوات اليابانية.
حاصر القائد «لي سون سين» مئات السفن الحربية اليابانية في الخليج ثم خاض المعركة الأخيرة في مضيق ميونغ نيانغ الذي يُسمى أيضا بـ»المضيق الصارخ»، ويقع بين ميناء نوكجين وميناء بيوكبا. وفي ٢٦ من أكتوبر ١٥٩٧، حقق «لي» انتصارا كبيرا على الغزاة اليابانيين بالاستفادة من التيارات السريعة والدوامات في المضيق الذي يبلغ عرضه حوالي ٢٠٠ متر في أضيق نقطة منه. وفي هذه المعركة، فقدت اليابان عددا كبيرا من السفن الحربية وسحبت قواتها.
يرى الكثير من المراقبين أن نصر القائد «لي» مذهل، ويعود الفضل فيه إلى استراتيجيته العسكرية التي حققت له انتصار القليل على الكثير. لكن، غالبا ما يُغفل دور سكان الجزيرة الذين اتبعوا توجيهات القائد «لي» وتجمعوا في جانبيْ المضيق مقاتلين الغزاة اليابانيين برمي الصخور والسهام.
لكن، عندما غادر القائد «لي» إلى الساحل الغربي لإعادة تنظيم قواته، بدأ انتقام الغزاة اليابانيين من سكان جين دو. ورأى القائد «لي» الدمار الكامل الذي لحق بالجزيرة حينما عاد إليها بعد ٢٣ يوما. وكتب «لي» في مذكراته عن الحرب «نان جونغ إيلغي» على النحو التالي: «دُمرت كل البيوت. وكانت القرية كلها صامتة دون أي أثر للحياة البشرية». كانت العواقب التي تحملها سكان الجزيرة بشعة للغاية. لكن الهزيمة المهينة للغزاة اليابانيين في مضيق ميونغ نيانغ غيرت اتجاه الحرب وأنهت القتال الذي استمر سبع سنوات. واليوم، يقف تمثال القائد «لي» في كلٍ من نوكجين وساحة غوانغ هوا مون التي تقع في قلب سيول.
في ميناء سو مانغ، تركز النساء على إزالة أسماك النعاب األصفر من شباك الصيد. ويجب إزالة األسماك من الشباك بسرعة ثم تجميدها للحفاظ على نضارتها.ولهذا، خالل موسم صيد أسماك النعاب األصفر، يتجمع العديد من القرويين ويعملون بشكل جماعي
المقبرتان
في سفح الجبل بجانب الطريق المحلي في قرية دو بيونغ القريبة من ميناء بيوكبا، مقبرة دُفن فيها حوالي ٢٣٠ شخصا. وأُطلق عليها رسميا اسم «مقبرة شهداء الغزو الياباني الثاني». وهنا دُفن جنود مملكة جوسون الذين لقوا حتفهم في معركة ميونغ نيانغ، والناس العاديون الذين قتلهم الغزاة اليابانيون انتقاما منهم. ويُشار إلى أن هوية أصحاب القبور ليست معروفة إلا عشرة منها، وتتجه جميعها إلى العاصمة التي كان يتواجد فيها الملك.
إذا قطعنا حوالي تسعة كيلومترات على الطريق الجبلي الذي يتجه للبحر، وصلنا إلى تلة جميلة منخفضة تُسمى «وي دوك سان». كان هناك حوالي مائة قبر للجنود اليابانيين الذين قاتلوا في معركة ميونغ نيانغ تحت قيادة القائد الياباني كوروشيما ميتشيفوسا. وعندما جُرفت جثث اليابانيين إلى الشاطئ، جمعها سكان الجزيرة ودفنوها في هذه التلة المتجهة لليابان. لكن، ألحقت مشاريع إنشاء الطرق واستصلاح الأراضي أضرارا بالقبور، ولا يوجد هناك اليوم إلا حوالي ٥٠ قبرا.
في أغسطس عام ٢٠٠٦، حيث نُشرت الأخبار عن هذه المقبرة لأول مرة في اليابان، ذهب أحفاد القتلى ومجموعة من الطلاب الجامعيين اليابانيين إلى جين دو وزاروا المقبرة وقام السكان المحليون بدور الدليل لهم. ونشرت صحيفة في هيروشيما خبرا عن هذه التلة المقدسة معربة عن شكرها وامتنانها لسكان جين دو. ولكن، بالنسبة لسكان جين دو، فإن هذا التعاطف كان أمرا طبيعيا بالنظر إلى الفلسفة التقليدية الكورية حول الحياة والموت التي تعلّق أهمية كبرى على المصالحة بين الأحياء والأموات. كما أن هذه الفلسفة انعكست على «سيتغيم-غوت»، وهي طقوس الجنازة الشامانية التي يمارسها سكان الجزيرة لمسح أحقاد الموتى وتطهير أرواحهم لكي يجدوا السلام في الحياة الآخرة.
يوجد تمثال بوذا الطبيب الذي يبلغ ارتفاعه مترين في الوسط ضمن التماثيل البوذية الحجرية الثالثة.ويجلس بوذا الطبيب على بتالت زهور اللوتس.والجزء السفلي من جسمه مرتفع وكبير، وهذا يشير إلى النسبة النموذجية للتماثيل البوذية في مملكة غوريو
الأحياء والأموات
ما تشير إليه كلمة «سيتغيم» يتشابه مع ما تشير إليه كلمة «التعميد» في الديانة المسيحية. وفي الحقيقة، فإن المفاهيم الدينية وراء هذين النوعين من الطقوس لا تختلف اختلافا كبيرا. إلا أن «سيتغيم-غوت» في جين دو تعني حرفيا «طقوس تطهير الروح»، وهذه الطقوس متنوعة من حيث الاسم والخصائص والإجراءات بحسب مكان الموت أو سببه أو حالته. فعلى سبيل المثال، تتم ممارسة «غون جي غي سيتغيم-غوت» لتطهير روح الميت الذي مات غرقا، و»هون ما جي سيتغيم-غوت» لاسترضاء روح الميت الذي مات وحيدا في مكان بعيد عن البيت. وعلاوة على ذلك، فإن هذه الطقوس تتميز بعناصرها الفنية التي تجعلها مختلفة عن طقوس الجنازة الشامانية في المناطق الأخرى. ولا تقتصر «سيتغيم-غوت» في جين دو على الطقوس الدينية بسبب عناصرها الفنية، مثل الرقص للآلهة والسرد الذي يُنقل عن طريق الغناء والموسيقى وآلات الشامان المتنوعة. ولهذا السبب، تُعد «سيتغيم-غوت» من الممتلكات الثقافية الهامة غير المادية في كوريا.
يعود أصل هذه الرغبة في تحقيق المصالحة بين الأحياء والأموات إلى ذكريات الماضي المؤلمة. فقد عانى سكان جين دو من العواقب الباهظة التي أسفرت عنها الأحداث التاريخية مثل ثورة فلاحي دونغ هاك في عامي ١٨٩٤ و١٨٩٥ والحرب الكورية خلال الفترة ما بين عامي ١٩٥٠ و١٩٥٣، والتي أدت إلى المجازر الظالمة بحق أهلها. ولذلك، عندما وقعت حادثة غرق العبارة «سي وول» قبالة جين دو عام ٢٠١٤ التي أدت إلى مقتل ما يربو على ٣٠٠ شخص معظمهم من طلاب المدارس الثانوية، تعاطف سكان جين دو مع مشاعر أسر الضحايا. ولذلك يُقال إن الموت أمر شخصي، وهو أمر عام في آن واحد.
كتب عالم الأنثروبولوجيا والأعراق البشرية الفرنسي كلود ليفي شتراوس ما يلي:
« أنهم لم يتوصلوا أكثر من غيرهم إلى تفنيد هذه الحقيقة، وهي أن تمثل مجتمع ما للعلاقة بين الأحياء والأموات، ما هو إلا جهد لإخفاء وتزيين العلاقات التي تسود بين الأحياء، أو تبريرها على الصعيد الديني.» («مداريات حزينة»، المؤلف كلود ليفي شتراوس، المترجم محمد صبح، الناشر دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية، ص ٣١٧)
لعله من الطبيعي أن تتمكن جين دو من المحافظة على ثقافتها التي تتميز بها في مداواة الجراح والآلام.