ما إن يُطهى الجمبري على البخار أو يُسلق بالماء لبضع الدقائق حتى يتحول إلى طبق رائع لذيذ. أما جمبري الجامبو الذي يبلغ طوله حوالي 20 سم فغالبا ما يُشوى على النار، في حين يَحضر الجمبري الصغير على موائد الطعام كتوابل بعد حفظه في الملح. والجمبري من المأكولات البحرية الغنية بالبروتينات والمعادن يرغب به الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم، ويفضلونه لنكهته الحلوة ومذاقه الشهي.
يحظى الجمبري بشعبية واسعة في جميع أنحاء العالم لنكهته الحلوة ومذاقه الشهيوبشكل خاص في أواخر الخريف والشتاء عندما يزداد فيه محتوى األحماض األمينيةالجاليسين. © بيكستا
في المياه الساحلية في شبه الجزيرة الكورية، يمتد موسم صيد الجمبري )أو “سايو” باللغة الكورية( من أواخر الخريف حتى الشتاء. ويرجع السبب في ذلك إلى كون الجمبري ينتمي إلى القشريات البحرية، في حين تصبح الأسماك دهنية وتنمو بشكل أكبر لتعيش في الشتاء البارد، أما القشريات التي تحتوي أجسامها على نسبة دهون أقل من الأسماك فلديها بعض الاستراتيجيات المختلفة للبقاء على قيد الحياة، منها: الانتقال إلى أعماق البحار حيث تكون درجة حرارة الماء أعلى وأكثر دفئا وملاءمة. ومنها أيضا زيادة النسبة المئوية لمكونات الجسم التي لا تتجمد.
لذلك يبقى الجمبري في المياه الساحلية في كوريا من الربيع وحتى الخريف ويبتعد عنها في الشتاء. وفي الخريف يستعد للبرد عن طريق زيادة محتوى أحماض أوميغا 3 الدهنية في جسمه، وكذلك الأحماض الأمينية الجلايسين التي تسبب النكهة الحلوة في مذاق الجمبري. وهذا هو السبب في أن الخريف هو أفضل موسم للاستمتاع بالجمبري الأنفع صحة وتغذية وألذ مذاقا وطعما.
. جمبري الجامبو الذي يعيش في المياه المعتدلة وشبه االستوائية في كوريا والصين2 يصبح طبقا رائعا فقط بطهوه بمقالة على ملح البحر الخشن. © غيتي إيميجز
عالوة على الشوي، يعتبر القلي الكامل طريقة مثالية أخرى لطهي جمبري الجامبو.ويقلى الجمبري بالكامل مع القشرة وهو مغطى بخليط من الدقيق والبيض وبودرة الخبز. © غيتي إميجيز
يتجنب بعض الناس تناول الجمبري بسبب الخشية من ارتفاع مستويات الكوليسترول لديهم. ولكن ليس صحيحا تماما أن الجمبري مسؤول عن ارتفاع الكوليسترول في دم الإنسان، فجسم الإنسان ينتج حوالي 80 في المئة من الكوليسترول في الدم بشكل طبيعي، مما يعني أنه ليس من السهل خفض مستويات الكوليسترول من خلال النظام الغذائي وحده.
التخليل والتخمير
يُطهي الجمبري بعدة طرق وكلها بسيطة وسهلة نسبيا، فيمكن تحميصه على ملح البحر الخشن بمقلاة أو سلقه لفترة وجيزة أو طبخه على بخار الماء، وهذا يبرز طعمه الحلو بنكهة المكسرات. ويمكن أيضا أكل الجمبري نيئا مع سلق رأسه بشكل منفصل. ومن بين أصناف الجمبري التي تعيش في المياه الساحلية في كوريا، جمبري الجامبو الذي يبلغ طوله أكثر من 20 سم ويُطلق عليه بالكورية اسم "دوهوا سايو" ويعني "جمبري زهر الخوخ". وكما يوحي هذا الاسم فهو جمبري جميل ذو نسيج متماسك ونكهة حلوة، وهو جيد بما فيه الكفاية ليكون طبقا رئيسا في المطاعم الفاخرة.
غير أن الجمبري الصغير المعروف في كوريا باسم "جيت سايو" يمثل أكبر نسبة من الجمبري الذي يتم صيده في المياه الكورية. وفي الواقع، فإن هذا الجمبري الصغير هو الأكثر انتشارا في جميع أنحاء العالم. وخلافا لجمبري الجامبو الذي يؤكل مشويا في الغالب، فإن الأصناف الأصغر تكون طرية وتفسد بسرعة، لذلك فهي توضع بالملح على قارب الصيد بمجرد صيدها.
في جميع أنحاء العالم، يتم تخمير الجمبري الصغير لصنع الصلصات والمعاجين والتوابل الأخرى المستخدمة في الأطباق المتنوعة. ولئن اختلف اسمها من مكان لآخر، فكان في هونغ كونغ "شيا غاو" أو "شيا جيانغ" وفي تايلاند "كابي"، وفي ماليزيا "بيلاتشان" وفي إندونيسيا "تيراسي" وفي فيتنام "مام توم"، فإنها جميعا تشتمل على الجمبري كمكون مشترك. وفي كوريا يستخدم الجمبري المملح والمخمّر المسمى باسم "سايو جيت" كتوابل في العديد من الأطباق بما في ذلك الكيمتشي.
وفي الوقت نفسه، فإن ما يُطلق عليه في كوريا "سايو جانغ" ليس تابلا، بل هو طبق قائم بنفسه، وهو يتكون من الجمبري النيئ المُعتّق في صلصة الصويا التي يتم سلقها مع الخضراوات والتوابل. ويتم صنع نكهته اللذيذة من خلال الجمع بين الجمبري النيئ والطعم الحلو المالح الشهي لصلصة الصويا. وبهذه الطريقة، يشبه هذا الطبق إلى حد كبير طبق "غيجانغ" وهو سرطان البحر النيئ المحفوظ في صلصة الصويا المحضرة بطريقة مماثلة. أما نسيج الجمبري في سايو جانغ فهو فريد من نوعه، حيث يكون في مكانة ما بين المطبوخ والنيئ. يتم تناوله مع الأرز المطبوخ، ويطلق عليه لقب "سارق الأرز" مما يعني أنه لذيذ جدا لدرجة أن الأرز يختفي بسرعة عند تناوله مع الأرز.
. يستمتع الكوريون أيضا بطبق يتكون من الجمبري النيئ المعتق بصلصة الصويا التييتم سلقها بالخضراوات والتوابل.ر كتوابل في أطباق متنوعة وعندّستخدم سايو جوت الجمبري © شوتر ستوك
ر كتوابل في أطباق متنوستخدم سايو جوت الجمبري الصغير المملح والمخمعة وعند. يُطبخ الكيمتشي. ومن خالل المزج بالفلفل الحار المفروم والثوم ومسحوق الفلفل األحمروبذور السمسم وزيت السمسم يكون سايو جوت طبقا جانبيا يحفز الشهية في الصيف. © معهد المطبخ الملكي الكوري
الكوليسترول
يحتوي الجمبري على نسبة عالية من الكوليسترول، حيث يحتوي كل 100 غرام من الجمبري على حوالي 189 ملليغرام من الكوليسترول . وذلك لأن الكوليسترول عنصر غذائي أساسي لنمو الجمبري، فهو ضروري لإنتاج الهرمون الذي يسرّع في عملية انسلاخ الجمبري عن قشره الخارجي عند النمو. ويعتبر الكوليسترول أيضا شيئا حيويا لحياة الإنسان وهو ضروري لنمو الدماغ ومركب أساسي لإنتاج الهرمونات الجنسية وفيتامين دي أي "فيتامين أشعة الشمس". يُنتج فيتامين دي في جلد الإنسان عند تعرضه لأشعة الشمس.
وإذا كان الكوليسترول يُنتَج بشكل طبيعي في جسم الإنسان، فإن هذا ليس هو الحال بالنسبة للقشريات، وسواء أكانت مستزرعة أو في بيئتها الطبيعية، لا يمكن أن ينمو الجمبري جيدا دون تناول كمية كافية من الكوليسترول. وهذا يعني أنه يجب إعطاء الجمبري المستزرع علفا يحتوي على نسبة كافية من الكوليسترول. ويمكن العثور على الكوليسترول في عدة أجزاء من الجمبري، فالجزء اللحمي منه قليل الكوليسترول نسبيا، بينما يحتوي الرأس على الكثير منه. رأس الجمبري اللذيذ، على وجه التحديد هو جزء يضم الرأس والصدر معا ويحتوي على أعضاء داخلية غنية بالدهون والكوليسترول. وتحتوي الأعضاء الداخلية وحدها على سبعة أضعاف الدهون وفيها من الكوليسترول ضعفين أو ثلاثة أضعاف أكثر من اللحم. ويحتوي الجزء الأخير من الوريد الذي يُطلق عليه باللغة الإنجليزية " فيين" على نسبة عالية من الكوليسترول على الرغم من أن الكمية الفعلية التي يحتويها قليلة.
في كثير من دول العالم ترتبط العديد من الأطعمة ببعض المأثورات الشعبية وكذلك الجمبري، فيقال إن ذيل الجمبري يحتوي على مادة معينة تمنع امتصاص الكوليسترول. لكن هذا لا أساس له من الصحة على الإطلاق. أما قشر الجمبري القاسي فيتكون من مادة الكيتين التي لا يهضمها الجسم ولكنه يمتصها. ويمكن فقط من خلال عملية كيميائية تتضمن قلويا قويا تقسيم الكيتين إلى جزيئات صغيرة تسمى أحماض كيتو، ومن المعروف أنها فعالة في خفض مستوى الكوليسترول في الدم. فلا يكفي مضغ قشر الجمبري أو ذيله لتحويل الكيتين إلى أحماض كيتو. ومع ذلك، لا يزال تناول القشر طريقة جيدة للاستمتاع بالجمبري، ويحتوي القشر على الأحماض الأمينية والسكريات والأصباغ التي تضيف نكهة لذيذة ورائحة إلى الجمبري المطبوخ، كما يحفظ مكونات النكهة في اللحم من الذوبان أثناء الطهي.
انخفاض كمية الصيد
يتجنب بعض الناس تناول الجمبري بسبب الخشية من ارتفاع مستويات الكوليسترول لديهم. ولكن ليس صحيحا تماما أن الجمبري مسؤول عن ارتفاع الكوليسترول في دم الإنسان، فجسم الإنسان ينتج حوالي 80 في المئة من الكوليسترول في الدم بشكل طبيعي، مما يعني أنه ليس من السهل خفض مستويات الكوليسترول من خلال النظام الغذائي وحده. وفي الواقع، قد يكون ثمة سبب أكبر يدعو للقلق بشأن الاستهلاك المفرط للكوليسترول الموجود في الجمبري، إذ إن نمو الجمبري في المزارع يقتضي أن يحتوي علفه على نسبة تبلغ حوالي 0.5 في المئة من الكوليسترول، ولكن بمجرد أن يصل هذا المحتوى إلى 5 في المئة يتم كبح نموه بدلا من ذلك.
أما مقرمشات الجمبري فهي وجبة خفيفة مقلية مصنوعة من مزيج من الجمبري المفروم والنشا تحظى بشعبية واسعة، وبخاصة في البلدان الآسيوية. ففي كوريا كان الجمبري متوسط الحجم يستخدم لصنع المقرمشات حتى التسعينيات، ولكن نظرا لانخفاض كمية الصيد أخذوا يستعملون الجمبري الأزرق أو "قوتسايو" في هذه الأيام. ومثل أي مكون غذائي آخر، فإن الجمبري ليس موردا غذائيا غير محدود. وإذا فشلنا في النظر في تأثير صيد الجمبري واستدامة استزراع الجمبري، فقد لا نتمكن من الاستمتاع بالنكهات المتنوعة للجمبري في المستقبل غير البعيد.
كتب إي سايك (1328-1396م)، وهو أديب ظهر في أواخر عهد مملكة غوريو، للتعبير عن شكره لهدية من جمبري الجامبو: "إنهم ينحنون بأدب لبعضهم بعضا، وتقديرهم بعمق سيساعد في إثراء القيم والأخلاق". ربما ذكّر الجمبري بشواربه الطويلة وجسمه المنحني العالِم الكونفوشيوسي الشهير بالحديث عن الناس الذين ينحنون تواضعا. وبالمثل، نحن بحاجة إلى التواضع والنظر إلى ما حولنا لإيجاد طرق للتعايش مع الطبيعة أثناء الاستمتاع بطعم الجمبري الغني في الخريف.