يعشق الشعب الكوري جبل «بايك دو» وجبل «غوم غانغ» ليس بسبب مناظرهما الطبيعية الخلابة فقط، بل بسبب المعاني التاريخية والثقافية والفنية التي يحملانها أيضا، ويرمز هذان الجبلان في الذاكرة الكورية الجنوبية إلى الشوق والحزن على وجه الخصوص.
يلتقط السياح الكوريون الجنوبيون صورا في بحيرة "تشون جي"البركانية الواقعة في قمة جبل " بايك دو" الذي يقع على الحدود بين محافظة " ريانغ غانغ"من عد كوريا الشمالية ومحافظة جيلين من الصين.و يُ جبل " بايك دو"أعلى جبل ضمن سلسلة جبال " بايك دو داي غان"التي تمتد لمسافة ٠٠٤١ كيلومتر في اتجاه الجنوب على طول شبه الجزيرة الكورية. وحاليا، ال يمكن للكوريين الجنوبيين زيارة الجبل إال عن طريق الصين
وُلدتُ ونشأت وترعرعت في الشطر الجنوبي من شبه الجزيرة الكورية المقسمة حيث تلقيت تعليما مكثفا مناهضا للشيوعية. ولقد تعلمت أن كوريا الشمالية تحت نظام الدمى ويعاني شعبها من الفقر المدقع والعمل القسري في معسكرات العمل. وفي المدارس، كثيرا ما احتوت الاختبارات على أسئلة بشأن حركة «تشول لي ما» الشمالية التي أجبرت الشعب الشمالي على العمل الذي لا نهاية له، تماما مثلما فعل الحصان الأسطوري الحامل اسم «تشول لي ما» الذي يُقال إنه يقطع ألف لي، وهو ما يعادل حوالي ٤٠٠ كيلومتر في يوم واحد، بالإضافة إلى نظام «واحد من كل خمس أسر» الذي يوزع عضوا واحدا من حزب العمال على كل خمس أسر، ويتولى عضو حزب العمال مهمة المراقبة على حياتهم اليومية. وفي كثير من الأحيان، كانت الصحف اليومية تنشر أخبارا عن غزو العصابات الشمالية المسلحة للأراضي الكورية الجنوبية، وكان الطلاب يجبرون على زيارة المعارض المناهضة للشيوعية لكي يشاهدوا القنابل اليدوية والخناجر وغيرها من المعروضات التي صُودرت من العصابات الشمالية.
تعليم مناهض للشيوعية
ومع ذلك، كنا نغني الأغنية التي تقول كلماتها «دعونا نذهب إلى جبل غوم غانغ الذي يحتوي على ١٢ ألف قمة. ما أجمل وأروع قمم الجبل». وكان كتابنا المدرسي للغة الكورية يحتوي على مقالة عن الرحلة إلى الجبل نفسه بعنوان «جبل السعادة التي لا نهاية لها؛ سان جونغ مو هان». لقد جعلتنا هذه المقالة نتصور جمال الغابات والشلالات والسحب والضباب والصخور فيه. وقِيل لنا إنه كلما حل فصل جديد من فصول السنة الأربعة تغيرت مناظر الجبل بشكل تام. ولهذا السبب، أُطلقت عليه أربعة أسماء مختلفة. وأما «غوم غانغ» الذي يعني الماس، فهو اسم الجبل في فصل الربيع. فعندما تغطي الأوراق الخضراء والأزهار الاثنتي عشرة ألف قمة في فصل الربيع، يصبح الجبل متألقا مثل الماس.
وعلاوة على ذلك، يحظى جبل «بايك دو» باهتمام بالغ من الناس أيضا. ومن مظاهر ذلك الاهتمام أن يُذكر اسمه في بداية النشيد الوطني الكوري؛ «حتى يتهدم جبل بايك دو ويجف بحر الشرق، الله يحمي بلادنا المحبوبة ويباركها». وفي ظل الانقسام الحالي، يمكن تفسير هذه الكلمة بأنها دليل على الإيمان الثابت بأن قوة خارقة للطبيعة ترعى هذه الأرض وتحميها حتى يجف بحر الشرق في الشطر الجنوبي ويتلاشى جبل بايك دو في الشطر الشمالي.
إن جبل «بايك دو» الرابض على هضبة «غايما» المرتفعة الواسعة التي يتشابه شكلها مع شكل تنورة النساء الطويلة يحتضن أسرار الغابات البدائية. وجاء اسمه «بايك دو» الذي يعني « الرأس الأبيض» من منظر مناطق القمم المغطاة بالحجارة البيضاء. كما أن جبل «بايك دو» الذي يقع على الحدود بين كوريا الشمالية والصين يُسمى في اللغة الصينية باسم «تشانغ باي» الذي يعني « الأبيض الذي لا يتلاشى». ويرمز هذا الجبل العظيم وبحيرة «تشون جي» البركانية التي تقع عليه وتُعرف بأنها أعمق بحيرة بركانية في العالم إلى روح التقدم إلى الأمام لدى الشعب الكوري. غير أنه، في الحقيقة، يتواجد في قلوبنا فقط كرمز للملاذ الروحي للشعب الكوري، لأننا لا نستطيع أن نزوره اليوم.
وعلى الرغم من ذلك، تقدم التاريخ إلى الأمام ليفتح لنا أبوابا جديدة أمام هذه الأماكن المخفية. ففي عام ٢٠٠٢، وضعتُ قدميّ أخيرا على جبل «غوم غانغ» وتنزهتُ في وادٍ جميل تحيط به تلال صخرية. وبعد عدة سنوات، وقفتُ على قمة جبل «بايك دو» ناظرة إلى بحيرة «تشون جي» البركانية.
غير مألوف ولكنه جميل
زار مؤسس مجموعة هيونداي «جونغ جو-يونغ» كوريا الشمالية ومعه قطيع من الأبقار، ومن هنا كانت بداية التاريخ الجديد. وُلد «جونغ جو-يونغ» في كوريا الشمالية، وعندما كان في ١٧ من عمره، سرق النقود التي كسبها أبوه من بيع بقرة وهرب إلى الجنوب ليبدأ مشروعه الصغير الذي أصبح فيما بعد شركة عملاقة معروفة في العالم. وفي عام ١٩٩٨ تفاوض هذا المليونير البالغ من العمر ٨٣ عاما مع الجانب الكوري الشمالي ليقوم بزيارة لمسقط رأسه بهدف تعزيز السلام في شبه الجزير الكورية المقسمة.
وأخيرا، زار «جونغ» أراضي كوريا الشمالية عبر المنطقة المنزوعة السلاح وقرية «بان مون جوم» الحدودية، حيث قاد قافلة من الشاحنات المحملة بخمسمئة بقرة، مبديا رغبته في أنه يريد أن يسدد الأموال التي سرقها من أبيه. وفي نوفمبر من ذلك العام، أطلقت مجموعة هيونداي المشروع السياحي الذي مكن المواطنين الكوريين من السفر إلى جبل «غوم غانغ». وبعد سنتين من ذلك، اجتمع الرئيس الكوري الجنوبي «كيم داي-جونغ» مع الزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ-إيل» في بيونغ يانغ واتفقا على «إعلان ١٥ يونيو المشترك».
لقد ساهمت «سياسة ضوء الشمس» التي انتهجها الرئيس «كيم داي-جونغ» في إذابة الجليد في العلاقات بين الكوريتين. ومن النتائج البارزة لهذه السياسة قرار الحكومة الكورية الشمالية بمشاركة الرياضيين الكوريين الشماليين وفريق التشجيع في دورة الألعاب الآسيوية في بوسان ٢٠٠٢، وكانت هذه المشاركة الأولى منذ تقسيم البلاد.
بعد تقسيم البالد عام ٨٤٩١، أصبح ال يمكن للكوريين الجنوبيين الوصول إلى جبل " غوم طلق المشروع السياحي العابر غانغ"الذي يشتهر بمناظره الرائعة التي تتغير كل فصل.وقد أُ الحدود عام ٨٩٩١، مما مكن الكوريين الجنوبيين من زيارة الجبل عبر البحر.لكنه توقف عام طلقت عام ٣٠٠٢ فإنها توقفت أيضا عام ٨٠٠٢. ٤٠٠٢.وأما الرحلة البرية التي
ومن جهة أخرى، استضافت كوريا الجنوبية كأس العالم لكرة القدم في العام نفسه أيضا، وبهذه المناسبة، اتفقت الكوريتان على إقامة الاحتفال في جبل «غوم غانغ» تحت شعار «حفل طلوع الشمس أملا بنجاح كأس العالم ودورة الألعاب الآسيوية»، وبعثت الحكومة الجنوبية العديد من المثقفين والفنانين والرياضيين إلى الشطر الشمالي للمشاركة في هذا الحفل. وكنتُ من بين الذين حضروا الأحداث العامة المتنوعة بشكل إجباري ولهذا، كانت لدي مشاعر النفور من الأحداث التي تنظمها الحكومة. لكن، لم أستطع أن أقاوم فكرة أن أزور جبل «غوم غانغ»! وبصراحة، عندما تلقيتُ دعوة إلى حضور الحفل، كنت في غاية السعادة أني أصبحت كاتبة روائية.
ما كان ذاك الارتعاش الخفيف الذي شعرت به عندما وضعت قدميّ على أرض كوريا الشمالية لأول مرة؟ وما كان ذاك السرور والحرج اللذين شعرت بهما عندما تحدثت مع كوري شمالي لأول مرة في حياتي؟ وما كانت تلك الطاقة والحيوية التي أحاطت بي عندما تنزهت بمفردي في وادي جبل «غوم غانغ»؟ أحب التنزه في الجبال ولهذا، زرت الكثير من الجبال في كوريا الجنوبية. لكن، أعتقد أن جبل «غوم غانغ»، أي «جبل الماس» لا مثيل له. كانت مناظره غير مألوفة، بل وجدت فيها جمالا اشتقت إليه منذ زمن.
اشتكى بعض أعضاء الوفد من أن شعارات الدعاية السياسية المنقوشة على الصخور دمرت المناظر الطبيعية. وشكا آخرون أن المسؤولين الكوريين الشماليين تعاملوا معهم بجلافة ولم يظهروا أي مشاعر ودية. لكن، عندما نظرنا في المساء إلى قمم جبل «غوم غانغ» أثناء الاستحمام في الينابيع الساخنة أو عندما رأينا المنحنيات الرقيقة لساحل «هاي غوم غانغ» الجميلة التي يعني اسمها «ماس البحر»، نسينا جميع هذه المشاعر السلبية. وكذلك، أسعدتنا الضحكات النابعة من القلب الصادرة عن السكان المحليين الذين أحبوا المزاح والنبيذ اللذيذ من التوت وبيرة «داي دونغ غانغ».
جاءتني الفرصة الثانية لزيارة كوريا الشمالية في عام ٢٠٠٥، أي بعد الزيارة الأولى بثلاث سنوات، حيث أُقيم «المؤتمر العام للكتاب الكوريين» في جبل «بايك دو». واُعتبر هذا المؤتمر حدثا تاريخيا تجمع فيه حوالي ٢٠٠ كاتب كوري من كلتا الكوريتين ودول أجنبية أخرى لأول مرة. وعلى الرغم من الصعوبات التي ظهرت منذ بدء إعداده، كانت رغبتنا في تحقيق التبادل والتعاون بين شعبنا قوية جدا. وقبل المغادرة، ذهبتُ إلى الصيدلية القريبة من بيتي لشراء هدايا صغيرة بناء على اقتراح المنسقين. وسألتني الصيدلانية بفضول عن سبب شراء الكثير من الأدوية المنزلية دفعة واحدة. وبعد أن أوضحتُ لها أنها هدايا للكوريين الشماليين سأقدمها لهم عند زيارتي لكوريا الشمالية، أعطتني أضعاف ما أردت شراءه من الأدوية ورفضت أخذ أي مال. وقالت «أتمنى أن يكون الجميع في تمام الصحة لكي نلتقي مع بعضنا بعضا في يوم ما من المستقبل».
عبور الحدود
بعد أقل من ساعة من إقلاع طائرة الخطوط الجوية لطيران «غوريو» من سيول، هبطت الطائرة في مطار «سون آن» الدولي في بيونغ يانغ. وكانت الرحلة قصيرة جدا مقارنة مع رحلتي السابقة إلى جبل «غوم غانغ» على متن السفينة التي عانيتُ خلالها من دوار البحر طول الليل. وكانت اللافتة التي تحمل اسم مدينة «بيونغ يانغ» مكتوبة باللون الأحمر وصورة الزعيم الشمالي «كيم إيل-سونغ» معلقتين على الجانبين من الجزء الأعلى من مبنى المطار. وفي المدخل، استقبلنا الكوريون الشماليون بالتصفيق.
المؤلفون والأدباء غير متعودين على الأنشطة الجماعية بشكل عام، وعلاوة على ذلك، كان المشاركون في المؤتمر ممن عاشوا حياة متباينة الأشكال والألوان وتحت أنظمة سياسية مختلفة يحملون أفكارا وخبرات مختلفة. وكان لكل كاتب مشارك فيه رأي مختلف عن الآخر. وقبل كل شيء، أصبحت الاختلافات في القيم مصدرا للتوتر والصراع وسوء التفاهم. فعلى سبيل المثال، أحب الكوريون الجنوبيون التقاط الصور للمناظر القروية التي تذكرهم بقراهم الأصلية في السبعينيات من القرن الماضي وتثير مشاعر الحنين لديهم إلى الماضي. لكنّ، الكوريين الشماليين اعتبروا ذلك نوعا من الإساءة والاحتقار، مفسرين ذلك بأن الكوريين الجنوبيين يفتخرون بتفوق نظامهم.
ومع ذلك، استطعنا أن نتأكد من جذورنا المشتركة في كثير من الأحيان. فعندما ذكر كاتب كوري شمالي الخس باسم «بورو»، أحس كاتب كوري جنوبي من جزيرة جيجو بسرور بالغ لأنه وجد أن كلمة «بورو» أصيلة في اللغة كورية، وكان يعتقد أنها مفردة تُستخدم في لهجة جزيرة جيجو فقط. وبهذا، تحول موضوع المحادثة إلى التجانس اللغوي للكوريتين. وعلى الرغم من الانقسام لمدة ٦٠ عاما الذي عرقل التبادل بين الكوريتين، لم نواجه أي مشكلة في التحدث مع بعضنا بعضا، إلا في بعض الكلمات التي تعود أصول أجنبية.
«بايك دو» تحت ضوء الفجر
كان من المقرر أن ينعقد المؤتمر العام للكتاب الكوريين عند الفجر، مما مكننا من مشاهدة شروق الشمس من قمة جبل «بايك دو». ركبنا الحافلة في الظلام قبل الفجر وغادرنا الفندق الواقع على منتصف الجبل. كان معظمنا نائمين في الحافلة بسبب أننا احتفلنا بصداقتنا وبالليلة الأخيرة من الرحلة وقد شربنا المشروبات الكحولية ولذلك ذهبنا إلى الفراش متأخرين. وكان يبدو أنني الوحيدة المستيقظة.
كنت أشعر بقلق بالغ منعني من النوم لأنه كان من المخطط أن أترأس جلسة المؤتمر في ذلك اليوم. لكن، بفضل يقظتي، رأيت أمام عينيّ منظرا لا يُنسى، وهو جمال الغابات البدائية المستلقية تحت ضوء الفجر. سارت الحافلة بنا بجانب المنحدرات التي أحاطت بها أشجار البتولا البيضاء وأشجار الصنوبر والأزهار المتنوعة. كانت المياه شفافة وألقت الصخور السوداء ظلالها هنا وهناك. أخيرا، وصلنا إلى القمة ووقفنا على «جانغ غون بونغ» التي يعني اسمها قمة الجنرال، حيث طلعت الشمس العظيمة فوق مياه بحيرة «تشون جي» البركانية. آنذاك، قال لنا كاتب كوري شمالي «إنه يوم جميل جدا. في الحقيقة أن الجو في جبل «بايك دو» متقلب جدا بسبب ارتفاعه، مضيفا جئت إلى هنا خمس مرات، لكني أرى طلوع الشمس هنا للمرة الأولى».
هناك، ألقى الكتاب الجنوبيون والشماليون قصائد وهتفوا بالشعارات معا والتقطوا الصور متكاتفين. وقال كاتب كوري جنوبي «دعونا نُزيل هذا السياج البشع من الأسلاك الشائكة بهدوء»، ورد عليه كاتب من الشمال «إذا اتحد الناس من القلوب، فيمكن أن ينتصروا على كل شيء». وحينئذ، آمنا بأن باب التاريخ الجديد سيُفتح أمامنا رغم الصعوبات التي واجهتنا خلال ذلك الوقت.
واستمرت هذه الأجواء من التفاؤل منذ ذلك الحين. وفي ١٥ يونيو من السنة التالية، انعقد الاحتفال بتدشين جمعية ١٥ يونيو التذكارية للكتاب الكوريين الجنوبيين والشماليين في جبل «غوم غانغ».واجتمع الكتاب من الشطرين الجنوبي والشمالي مع بعضهم بعضا مرة أخرى في حفل «ليلة أدبية في جبل غوم غانغ». وفي تلك المرة، لم نُعانِ من دوار البحر لأننا عبرنا الحدود من الجنوب إلى الشمال على متن حافلة قطعت الطريق على طول الساحل الشرقي بفضل انطلاق الرحلات البرية إلى جبل «غوم غانغ». مرة أخرى، تناولنا الحبوب والخضروات واللحوم والمشروبات المتنوعة التي صُنعت في الشمال. وتبادلنا المزاح حول إمكانية حصول مؤلفاتنا على الشعبية في كوريا الشمالية في حالة توحيد الكوريتين يوما ما. وشجعنا بعضنا بعضا، قائلين إن التوحيد هو السبيل الوحيد لتوسيع نطاق القراء بالنسبة لنا نحن الكتاب الذين يستخدمون اللغة الكورية المحصورة جغرافيا في شبه الجزيرة الكورية.
في عام ٨٩٩١، خطا الرئيس الفخري لمجموعة هيونداي " جونغ جو-يونغ"الخطوة األولى تجاه التبادل غير الحكومي والتعاون االقتصادي بين الكوريتين بعبور خط الهدنة لزيارة الشمال مرتين، حيث نقل ١٠٠١ رأس من البقر خالل الزيارتين
التقط الكتّاب الكوريون الجنوبيون صورة جماعية خالل االحتفال بالمؤتمر العام للكتّاب الكوريين عام ٥٠٠٢ الذي ع ُ قد في كوريا الشمالية.وجاء هذا التجمع وسط أجواء المصالحة التي خلّفها " إعالن ٥١ يونيو المشترك"الذي تم االتفاق عليه في قمة الكوريتين األولى في عام ٠٠٠٢
في عام ٢٠٠٨، أصدرت جمعية ١٥ يونيو التذكارية مجلة أدبية لنشر أعمال المؤلفين الكوريين الجنوبيين والشماليين، وهي مجلة «أدب التوحيد» التي تحتوي على ٣٣ عملا من القصة الصغيرة والشعر والمقالة والنقد. ولحسن الحظ، اُختيرت قصة من قصصي القصيرة ضمنها واستطعتُ أن أحصل على نسخة من هذه المجلة التي صدرت أخيرا بعد التغلب على صعوبات كثيرة، ووضعتُها على رف الكتب بجانب مجموعة من الأشعار لكاتب كوري شمالي حصلتُ عليها كهدية عند زيارة بيونغ يانغ، وقد اكتسبتُ عديدا من الفرص للالتقاء بالقراء الأجانب في معارض الكتب والأحداث الأدبية الدولية بفضل ترجمة كتبي إلى لغات أجنبية متعددة. لكن، شعرتُ بمشاعر مختلفة عندما جال في خاطري أن الكوريين الشماليين قد يقرأون كتبي، شعرتُ وكأنني مددت يد الصداقة إليهم بشكل محرج متجاوزة قيود التعليم المناهض للشيوعية الذي تلقيته لمدة طويلة.
ما كان ذاك الارتعاش الخفيف الذي شعرت به عندما وضعت قدميّ على أرض كوريا الشمالية لأول مرة؟ وما كان ذاك السرور والحرج اللذان شعرت بهما عندما تحدثت مع كوري شمالي لأول مرة في حياتي؟ وما كانت تلك الطاقة والحيوية التي أحاطت بي عندما تنزهت بمفردي في وادي جبل «غوم غانغ»؟
لكن، في وقت لاحق من العام نفسه، تدهورت العلاقات بين الكوريتين بشكل دراماتيكي، ويرجع ذلك جزئيا إلى حادث في جبل «غوم غانغ» يتعلق بسائحة كورية جنوبية، كانت تتجول بجوار الفندق ودخلت إلى منطقة عسكرية كورية شمالية، مما أدى إلى إصابتها بطلقات من الجيش الكوري الشمالي. ونتيجة لذلك، توقفت على الفور الرحلة إلى جبل «غوم غانغ» التي نمت باستمرار وجذبت أكثر من مليون سائح في عام ٢٠٠٥. وأصبح الباب إلى جبل «غوم غانغ» الذي وصفته مجلة فورين بوليسي الأمريكية بأنه ضمن المعالم السياحية التي لا يستطيع الأمريكيون زيارته، مغلقا تماما أمام الكوريين الجنوبيين. وخلال السنوات العشر التالية، لم تحدث لقاءات بين حكومة كوريا الجنوبية وحكومة كوريا الشمالية. وفي هذه الأجواء المتوترة، لقي مشروع الرحلة السياحية إلى جبل «غوم غانغ» انتقادات تقول إن دولة العدو استفادت منه استفادة ماليا. ومع ذلك، فُتح هذا الباب من جديد.
وفي أبريل من هذا العام، انعقدت قمة الكوريتين في قرية «بان مون جوم»، وتجوّل الرئيس الكوري الجنوبي مع الزعيم الشمالي على جسر المشاة الواقع على الحدود وجلسا على مقعد أمام السيا ج ليتحدثا على انفراد لمدة ٣٠ دقيقة. وبثت وسائل الإعلام ذلك المشهد على الهواء المباشر، لكننا لم نستطع أن نسمع أي شيء إلا تغريد الطيور. وفي اليوم التالي، حاولت إحدى وسائل الإعلام التنصت على محادثاتهما بتحليل لغة الشفاه وقراءتها. وصدر تقرير آخر أسعدني بشكل أكثر وقدم تفاصيل عن الطيور التي غردت بجانبهما مع شرح عن النظام الإيكولوجي في هذه المنطقة. أظن أنني لست وحيدة في اعتقادي بأن أصوات هذه الطيور تبشر بإحلال السلام في شبه الجزيرة الكورية.
مثلما زرت جبل «بايك دو» وجبل «غوم غانغ»، سافرتُ إلى جبال أخرى مختلفة، منها معسكر قاعدة جبل أنابورنا وممر إنكا لماتشو بيكتشو وسلسلة جبال روكي لرحلات التخييم، فضلا عن متنزه يلوستون الوطني وغراند كانيون. لقد شعرتُ بالذهول من جمال هذه المناظر الطبيعية الذي يخلب العقول، لكن، لم أشعر بالشعور نفسه من الحنين والشوق الذي شعرت به عند الرحلة إلى جبل «غوم غانغ» وجبل «بايك دو».
التاريخ بعد الانقسام
على رف الكتب الخاص بي ثمة كتابان للصور الفوتوغرافية التي تعرض المناظر الطبيعية الكورية الشمالية. أحدهما «الجبال والأنهار في كوريا الشمالية» للمصور الياباني «هيروجي كوبوتا»، وهو مصور لمجلة ماغنوم. ويحتوي هذا الكتاب الفوتوغرافي على صور تم التقاطها عام ١٩٧٩ لنشرها في مجلة «سيكاي» اليابانية. وكان «كوبوتا» رابع مواطن ياباني يُسمح له بزيارة جبال كوريا الشمالية. وذكر في نهاية الكتاب «يمثل جبل بايك دو عظمة الجبال القارية ويرمز جبل غوم غانغ إلى جمال قارة آسيا. كنت مذهولا بحيوية الطبيعة الأم وعظمتها اللتين يجسدهما هذان الجبلان».
نشرت هذا الكتاب في كوريا عام ١٩٨٨ صحيفة «هان غيو ريه» اليومية التقدمية التي أُسست بتبرعات من المواطنين. وفي تلك الفترة، تطلب نشر هذا النوع من الكتب شجاعة كبيرة لأن الحرب الباردة كانت ما تزال على أشدها وكانت كوريا الجنوبية تحت الحكم العسكري الدكتاتوري. حينئذ، تطلع قراء الصحيفة إلى نشر الكتاب على الرغم من أن سعره بلغ ٣٠ ألف وون كوري، وهو ما يكفي لشراء ٣٠٠ علبة من رامين – المعكرونة السريعة التحضير، ولم أتردد في شراء نسخة منه.
وكانت المناظر التي يحتوي الكتاب عليها جميلة جدا، منها «منظر بحيرة تشون جي البركانية التي يطفو الجليد على سطحها حتى في أوائل فصل الصيف» و»منظر الأودية المغطاة بالأوراق الخريفية الملونة» و»منظر الأشجار المغطاة بالثلوج في الغابات البدائية».
والكتاب الفوتوغرافي الآخر هو «جبل بايك دو» الذي نشرته المؤسسة التصويرية لجمهورية كوريا الديموقراطية الشعبية عام ١٩٨٢ في بيونغ يانغ. واشتريته عندما حضرت المؤتمر العام للكتاب الكوريين. وخلافا للصور التي التقطها المصور الياباني «كوبوتا» تحت قيود زمانية ومكانية، صور كتاب «جبل بايك دو»، وبشكل أكثر حرية، جميع مناظر كوريا الشمالية التي تتغير بتغير الفصول الأربعة، وكانت الصور التي يتضمنها كتاب «جبل بايك دو» الفوتوغرافي توفر تفاصيل أكثر، مما يثير مشاعر متنوعة من الحنين والشوق. وبغض النظر عن جودة التصوير، أعجبتني مناظر حياة الناس التي تعرضها الصور الفوتوغرافية في الكتاب.
ويظهر الكتاب الثاني أيضا وجهة نظر مختلفة عما يرد في الكتاب الأول، لكن لا يمكن أن نرى صور الجبلين في الصفحة الأولى من الكتاب، لإن القائد «كيم إيل-سونغ» يحتل الصفحة الأولى من هذا الكتاب الفوتوغرافي. وفي الصفحة التالية، يُعرّف الكتاب جبل «بايك دو» كموقع تاريخي للمقاومة ضد الاحتلال الياباني. وبعد ذلك، يظهر الكتاب صور مناظر جميلة لجبل «بايك دو» وجبل «غوم غانغ».
في كوريا الشمالية، لا تقتصر أهمية جبل «بايك دو» على جماله الطبيعي بل إنها تشمل القيمة التاريخية كموقع لنضالات الاستقلال. كما أن المعسكر السري للجيش الثوري الشعبي الكوري اتخذ مقرا له في جبل «بايك دو». ولهذا السبب، هناك العديد من التماثيل والنصب التذكارية فضلا عن المواقع الأثرية مثل المنازل ومخيمات جيش حرب العصابات. بعبارة أخرى، أصبح جبل «بايك دو» مكانا مقدسا يرمز إلى التاريخ الحديث للشعب الكوري الشمالي الذي يتطور بشكل مختلف عن تاريخ الشعب الكوري الجنوبي منذ تقسيم البلاد. وعلينا فهم ذلك الفرق لكي ندخل إلى تلك الأرض.
في هذه الأيام، أضع العديد من الخطط للسفر مع أصدقائي. واتفقنا أن نزور بيونغ يانغ وفلاديفوستوك وموسكو وباريس بالترتيب، إذا أصبحت خطوط السكك الحديدية تربط سيول ببيونغ يانغ وغيرهما العديد من المدن في روسيا وأوروبا. ونقول أحيانا «لا حاجة بنا إلى ركوب الطائرة للسفر إذا تمكنا من السفر بالقطار». أرغب في زيارة جبل «بايك دو» مرة أخرى، ليس عن طريق الصين، بل عن طريق السكك الحديدية التي تربط بين الكوريتين مباشرة. طبعا أنا أعرف أن ربط الخطوط المقطوعة يتطلب الكثير من الوقت والفهم. لكن، يمكننا الانتظار، أليس كذلك؟
رحلة السلام والمصالحة
تتخذ المنطقة المنزوعة السلاح، وهي منطقة الهدنة بين كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية، شكل مستطيل يبلغ عرضه نحو ٤ كيلومترات وطوله 255 ميلا. ويقسم خط تعيين الحدود العسكرية الواقع في وسطها شبه الجزيرة الكورية إلى شطرين؛ جنوبي وشمالي، وعندما وصلت الحرب الكورية إلى نهايتها، اتفق الجانبان على الهدنة وحددا خط الحدود بينهما. وتحولت قرية «بان مون جوم» التي شهدت هذا الاتفاق إلى منطقة أمنية مشتركة لتصبح ممرا وحيدا بين الكوريتين. واليوم، تستقطب قرية «بان مون جوم» والمرافق التابعة لها حوالي ثلاثة ملايين زائر سنويا من داخل البلاد وخارجها.
.يزور مجموعة من الكوريين الشماليين قرية " بان مون جوم"، وهي الممر الوحيد في المنطقة المنزوعة السالح الذي يقسم الكوريتين.وعلى الكوريين الجنوبيين الراغبين بزيارة هذه القرية الحدودية عبر سمى بـ"السياحة األمنية"أن يقدموا طلبا إلى ما يُ دائرة االستخبارات الوطنية قبل ٠٦ يوما على األقل. والزيارة مسموح بها للمجموعات فقط.
وصف المؤرخ الأمريكي ثيودور فهرنباخ في كتابه «هذا النوع من الحرب» اللحظة التي تم الاتفاق فيها على الهدنة الكورية وإنشاء المنطقة المنزوعة السلاح في قرية «بان مون جوم» في ٢٧ يوليو عام ١٩٥٣ على النحو التالي؛ «في الساعة العاشرة ودقيقة واحدة، وقع الجانبان على أول وثيقة من 18 وثيقة أعدها كل جانب. واستغرق التوقيع على الوثائق جميعها ١٢ دقيقة. ثم، نهض الموقعان وغادرا المبنى دون أي كلام».
تُعتبر المنطقة المنزوعة السلاح الجبهة الأخيرة للحرب الباردة. لكن، بدأت هذه الأرض المأساوية التي تمثل رمزا لانقسام البلاد تفتح فمها وتتحدث عن السلام. ففي أبريل الماضي، شهدت قرية «بان مون جوم» التي ترمز إلى الهدنة وانقسام كوريا توقيع الرئيس الكوري الجنوبي «مون جاي-إين» والزعيم الكوري الشمالي «كيم جونغ-أون» «إعلان بان مون جوم للسلام والازدهار والتوحيد لشبه الجزيرة الكورية» وتعهدهما بالعمل المشترك والتعاون لإحلال السلام في البلاد.
تجوّل الزعيمان؛ الجنوبي والشمالي معا على جسر المشاة الواقع على الحدود. وجذب هذا المنظر المثير أنظار الناس في جميع أنحاء العالم. وفي ذلك اليوم، سارا جنبا إلى جنب على جسر المشاة الأزرق الذي يُحاط بالأشجار الكثيفة الخضراء وأخيرا جلسا على مقعد خشبي صغير. وعلى الرغم من أن وسائل الإعلام بثت هذا المنظر على الهواء المباشر، فلم تُسمع أي كلمة ولم يكن هناك أي خلفية موسيقية. لم يكن هناك سوى أصوات الطيور ونقار الخشب الرمادي الرأس.
أربع كلمات مفتاحية
يمكن عرض أهمية المنطقة المنزوعة السلاح بالتركيز على أربعة عوامل رئيسة. أولا، هي كنز إيكولوجي ولدته الحرب الباردة. في الطبيعة، لا يتوافق التعاقب الإيكولوجي مع رغبات البشر. وقد تحولت الحقول الزراعية إلى أراضٍ رطبة توفر موطنا للأنواع النادرة جدا من غزلان الماء. وعلى الرغم من الآلام التي تركتها الحرب المدمرة والصراعات العسكرية الطويلة، فقد وجدت الطبيعة سبلا لاستعادة قدرتها والحفاظ عليها.
ووفقا للإحصاءات التي أصدرها المعهد الوطني للبيئة في يونيو عام ٢٠١٨، أصبحت المنطقة المنزوعة السلاح موطنا لـ٥٩٢٩ نوعا من الأحياء البرية، بما في ذلك ١٠١ نوع من الأحياء البرية المعرضة للانقراض. ولم تساهم أيدي البشر في تحويل ساحة المعركة إلى غابة سلام، بل إنها عرقلت جهود الطبيعة في تجديد ذاتها وإعادة قدرتها على التجدد، عن طريق إقامة الحواجز وزرع الألغام وحتى رش مبيدات الأعشاب. وفي هذا الصدد، يمكن أن تُسمى المنطقة المنزوعة السلاح التي تتحلى بالمرونة الطبيعية بـ»حديقة مقدسة».
ثانيا، المنطقة المنزوعة السلاح هي المتحف الحي للحرب. فخلال الحرب الكورية، شهد الجنود البريطانيون الذين حاربوا في كوريا تحقيق عبارة من مسرحية «ماكبث»، وهي «إذا تحركت غابة من مكانها حان الوقت للإعداد للحرب». وفي الحقيقة، عندما تحرك السهل عبر النهر، شن الجيش الصيني هجوما كبيرا. المنطقة المنزوعة السلاح هي فيلم وثائقي عن الحرب الملحمية يحتوي على ذكريات جنود من ٦٣ دولة قاتلوا على هذه الأرض وسقط بعضهم على ترابها.
ثالثا، المنطقة المنزوعة السلاح مهد ثقافة المنطقة الحدودية الخاصة. وتعلّم سكان القرى المجاورة إلى الشمال من خط الرقابة المدنية طريقة التعايش مع الطبيعة. وفي هذا المجتمع الأخلاقي، يطعمون الطيور ويستفيدون من سياحة مشاهدتها. هنا أيضا، يموت المسنون ويسقط الشباب في الحب ويُولد الأطفال. وعلاوة على ذلك، فإن هذه المنطقة شهدت بعض الأحداث التاريخية المهمة، حيث كانت عاصمة دولة «تاي بونغ» التي أسسها «غونغ إي» (؟-٩١٨) في أواخر عصر مملكة شيلا الموحدة، في منطقة «تشول أون» الحالية، وتتواجد آثارها في المنطقة المنزوعة السلاح حتى الآن. كما أن مملكة غوريو وُلدت في المنطقة نفسها ونقلت عاصمتها إلى مدينة «غاي سونغ». وبعد مرور حوالي ٤٠٠ عام، أُسست مملكة جوسون في مدينة «غاي سونغ» ثم نقلت عاصمتها إلى سيول اليوم.
.مع الحفاظ على النظم اإليكولوجية البدائية على مدى عقود، تتحمل المناطق المحيطة بالمنطقة المنزوعة السالح جراح الحرب الكورية، مذكرة الزوار بالواقع المرير للبالد الم ُ قسمة.وكل عام، يزورها أكثر من ثالثة ماليين شخص
جسور «بان مون جوم»
أخيرا، العامل الرئيس الرابع لفهم قرية «بان مون جوم» هو «الجسور». بعد الاتفاق على الهدنة مباشرة، أنشأت لجنة الأمم المحايدة الموكلة بالإشراف على مراقبة الهدنة جسرا خشبيا على المستنقع الواقع في خط تعيين الحدود العسكرية إلى الشرق من قرية «بان مون جوم» لتسهيل التنقل بين قاعات المؤتمرات. وأصبح هذا الجسر الصغير للمشاة رمزا للسلام الآن. وينص «إعلان بان مون جوم ٢٧ أبريل» على تحويل المنطقة المنزوعة السلاح إلى «منطقة سلام»، ويبدو أن سير الزعيمين معا على جسر المشاة يمثل الخطوة الأولى نحو هذا الاتجاه.
وهناك قصة أخرى تتعلق بجسر في قرية «بان مون جوم» يعود تاريخها إلى أربعة قرون. ففي عام ١٥٩٢، هرب «سون جو» ملك مملكة جوسون إلى الشمال، حيث كان يلاحقه الجنود اليابانيون الذين غزوا المملكة من الساحل الجنوبي. وعندما وصل الملك إلى قرية صغيرة، أدرك أن عبور النهر أصبح مستحيلا بسبب فيضان النهر، فأخذ القرويون الألواح الخشبية المسماة بـ»نول مون» من أبواب منازلهم وصنعوا منها جسرا لتمكين الملك من عبور النهر. ومنذ ذلك الحين، أُطلق على هذه القرية اسم «نول مون-ري». ثم تحول هذا الاسم إلى «بان مون جوم» الذي يتكون من المقاطع الصينية ذات المعنى نفسه بناء على اقتراح المندوبين الصينيين أثناء المحادثات بشأن الهدنة.
خطوات نحو السلام
بالإضافة إلى ذلك، كان هناك جسر رمزي على خط تحديد الحدود العسكرية. ففي نوفمبر عام ١٩٨٤، طلب فاسيلي ياكوفليفيتش ماتوجوك، المرشد السياحي للسفارة السوفيتية لدى بيونغ يانغ، اللجوء إلى كوريا الجنوبية وعبر خط تحديد الحدود العسكرية راكضا بين المباني التي عقد فيها مؤتمر للجنة الهدنة العسكرية، إضافة إلى أن جنديا كوريا شماليا هرب إلى الجنوب بعبور الخط نفسه وأُصيب خلال هروبه بطلقات نارية في نوفمبر عام ٢٠١٧.
وفي يونيو عام ١٩٩٤، زار الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر كوريا الشمالية عبر قرية «بان مون جوم» لتسوية الأزمة النووية الكورية الشمالية الأولى. وبعد بضع سنوات، زار مؤسس مجموعة هيونداي «جونغ جو-يونغ» الشطر الشمالي مرتين في عام ١٩٩٨، مرة في شهر يونيو ومرة أخرى في شهر أكتوبر، حيث قاد «جونغ» قافلة شاحنات حملت على متنها ٥٠٠ بقرة. وتُعتبر زيارته بمثابة إرساء «جسر للسلام» على قرية «بان مون جوم» التي انقسمت إلى شطرين مثل ما انقسمت كوريا. وفي كوريا الشمالية، اجتمع «جونغ» مع الزعيم الكوري الشمالي السابق «كيم إيل-سونغ» ليتخذ الخطوة الأولى نحو التعاون الاقتصادي بين الكوريتين. وفي نوفمبر من العام نفسه، غادرت أول سفينة تحمل السياح الكوريين الجنوبيين من ميناء «دونغ هاي» متجهة لجبل «غوم غانغ» في كوريا الشمالية.
وفي الآونة الأخيرة، استقطبت قرية «بان مون جوم» والمنطقة المنزوعة السلاح السياح من داخل البلاد وخارجها الذين يرغبون في «السياحة الأمنية». لكن، ما يزال الوصول إليها مقيدا ومحددا. ويتعيّن على من يريد زيارتها أن يمر بفحص أمني للحصول على إذن السماح بالدخول. ولا يمكن للزوار دخول المنطقة إلا في وقت النهار. وبعد دخول المنطقة، عليهم أن يلتزموا بالمسار المحدد متّبعين مرشدهم. ولا يمكن التقاط صور دون إذن. وعلى الرغم من كل القيود، يتجه كثير من الناس إلى قرية «بان مون جوم» لأنها تُعتبر المكان الوحيد الذي تستمر فيه الحرب الباردة. كما أن هذا المكان التاريخي يعطي فرصة للتفكير في معنى الحرب والسلام.