من المعروف أن الكلمات التي تحتوي عليها القواميس تعكس تغيرات ثقافية واجتماعية عبر العصور. وأتاح المعرض الخاص الذي أقامه متحف هانغول الوطني تحت شعار «منظور جديد تجاه القواميس الكورية» فرصة ذهبية للاطلاع على تاريخ العصر الحديث.
قيم المعرض الخاص " منظور أُ جديد تجاه القواميس الكورية"في متحف الهانغول الوطني خالل الفترة ما بين ٠٢ من سبتمبر عام ٨١٠٢ و٣ من مارس عام ٩١٠٢. وأتاح المعرض الفرصة للزوار لالطالع على تاريخ القواميس وتأثير االتجاهات االجتماعية الثقافية عليها.
في عام ٢٠١٠، أعلنت مطبعة جامعة أكسفورد أنها ستتوقف عن طباعة النسخة الورقية من قاموس أكسفورد الإنجليزي الذي يُعتبر أكثر القواميس الإنجليزية موثوقية في العالم، نظرا للانخفاض الحاد لمبيعاتها السنوية، موضحة أنها لن تصدر الطبعة الثالثة من قاموس أكسفورد الإنجليزي إلا على شكل نسخة إلكترونية على الإنترنت.
صدرت الطبعة الأولى من قاموس أكسفورد الإنجليزي عام ١٨٨٤ والطبعة الكاملة الأولى عام ١٩٢٨. وتحتوي طبعته الأخيرة على حوالي عشر كلمات يعود أصلها إلى اللغة الكورية، ومنها «هانغول» و»تايكواندو» و»كيمتشي» و»ماكغولي»، وهو شراب يصنع من الأرز، و»أوندول»، نظام التدفئة الكوري التقليدي، بالإضافة إلى «تشايبول»، مجموعة الشركات العملاقة التي تملكها وتديرها عائلة معروفة، و»وون»، وحدة العملة الكورية.
أما القاموس الورقي للغة الكورية فقد كانت نهايته قبل أربع سنوات من ذلك التاريخ، ففي اليوم الوطني للغة الكورية ٩ من أكتوبر عام ٢٠٠٦، أعلن المجمع الوطني للغة الكورية أنه لن يصدر القاموس المعياري للغة الكورية إلا على شكل نسخة إلكترونية على الإنترنت. وأطلق المجمع القاموس التفاعلي المفتوح على الإنترنت «أوريمال سيم» الذي يعني اسمه «ينبوع لغتنا» ويسمح للمستخدمين بإضافة كلمات وتعاريف جديدة.
تزامن التحول من القاموس الورقي إلى قاموس على الإنترنت مع التطورات التكنولوجية، وقد أصبحت الحواسيب والهواتف الذكية جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، مما يعني أن الناس أصبح بإمكانهم استعمال «القاموس بين اليدين» في أي مكان وفي أي وقت، وأن هذه الأجهزة الإلكترونية الحديثة تمكن من البحث عن معاني الكلمات باستعمال القواميس الإلكترونية أو الشبكة العنكبوتية بكل سهولة ويسر. لكن، ما يزال هناك بعض الناس يصرون على استخدام القواميس الورقية.
انطلق المعرض الخاص «منظور جديد تجاه القواميس الكورية» في ٢٠ من سبتمبر عام ٢٠١٨ في متحف الهانغول الوطني، وهو جزء من مجمع المتاحف الوطنية الكورية الذي يقع في منطقة يونغسانغ وسط سيول. ولقي هذا المعرض إقبالا شديدا من الزوار، مما أدى إلى تمديد المعرض الذي كان من المقرر أن ينتهي بحلول نهاية السنة بثلاثة أشهر إضافية.
مخطوط للقاموس الكوري األول الذي ألفه " جو سي-غيونغ"(٦٧٨١-٤١٩١)بالتعاون مع طالبه منذ عام ١١٩١.ولم يبق سوى أجزاء قليلة من المخطوط األصلي.© جمعية الهانغول
المسودة النهائية لـ"قاموس اللغة الكورية"التي ألفتها جمعية سست عام اللغة الكورية التي أُ ١٢٩١ على مدار ٣١ عاما منذ عام ٩٢٩١.وتم العثور على هذا المخطوط الذي صادرته الشرطة اليابانية عام ٢٤٩١ في مستودع في محطة سيول عام ٥٤٩١ بعد استقالل البالد. © متحف الهانغول الوطني
مخطوطات تاريخية
ليست القواميس مجرد صندوق الكنز الذي يحتوي على الكلمات، بل إنها تتيح فرصة للاطلاع على التطورات التاريخية، فلو أخذتَ بعين الاعتبار أصول الكلمات لأدركت أن القواميس لا تقدم المعاني والتعاريف فحسب، بل إنها تعرض التطورات الاجتماعية والثقافية والتاريخية عبر العصور. وفي هذا الصدد، يوفر هذا المعرض الخاص فرصة للسفر عبر الزمان إلى ما قبل مائة عام بواسطة القواميس التي قد تغيرت مع مرور الوقت.
على الرغم من أن الملك سيجونغ، وهو الملك الرابع الذي حكم مملكة جوسون خلال الفترة ما بين عامي ١٤١٨ و١٤٥٠، اخترع الأبجدية الكورية المسماة بـ»الهانغول» عام ١٤٤٣ ونشرها في المملكة بعد ثلاث سنوات من ذلك، لم تحصل الهانغول على الاعتراف بها كنظام كتابة رسمي للغة الكورية حتى صدور الأمر الملكي عام ١٨٩٤. وبعد ذلك خلال الفترة المظلمة من تاريخ كوريا الحديث، تطلع الشعب الكوري إلى تأليف القاموس الكوري، لكن الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي شهدتها كوريا وضعت عائقا أمام تحقيق تطلعهم.
قبل ظهور القاموس الكوري الأول الذي تم تأليفه بأيدي الكوريين، صنع المبشرون المسيحيون الأجانب القواميس الثنائية اللغة التي تكون اللغة الكورية طرفا فيها. ففي عام ١٨٨٠، صدر القاموس الكوري الفرنسي لأول مرة وطُبع القاموس الكوري الإنجليزي عام ١٨٩٠ والقاموس الإنجليزي الكوري عام ١٨٩١.
كانت مسودة القاموس الكوري الفرنسي التي كُتبت بخط اليد ويعود تاريخها إلى عام ١٨٧٨ أكثر جذبا لأنظار الزوار بين معروضات المعرض. وعُرضت هذه المسودة التي تملكها حاليا مؤسسة أبحاث تاريخ الكنائس الكورية لأول مرة بجانب نسخته المطبوعة التي طبعها الأسقف الكاثوليكي فيلكس كلير ريديل الذي انضم إلى البعثات الخارجية من باريس عام ١٨٨٠ في يوكوهاما في اليابان. ويُشار إلى أن هذا القاموس يكتسب أهمية تاريخية كبيرة نظرا لأنه لا يُعد أول القواميس الكورية الفرنسية فحسب، بل لإنه أيضا أول القواميس الثنائية اللغة التي تكون اللغة الكورية طرفا فيها.
هذه صورة فوتوغرافية ألعضاء مجمع اللغة الكورية اُلتقطت ٩ من أكتوبر عام ٧٥٩١ لالحتفال بنشر قاموس اللغة الكورية.وقد بدأت عملية تأليف هذا القاموس عام ٩٢٩١، لكنها توقفت بسبب اعتقال المؤلفين.وفي وقت الحق، أكملت جمعية الهانغول تأليفه2© جمعية الهانغول
كما أن هذا المعرض قدم فرصة للاطلاع على مختلف القواميس غير المكتملة التي تركها ناشطو الاستقلال الكوريون في نهاية مملكة جوسون حين حاولت القوات الأجنبية احتلال الأراضي الكورية، ومن هذه القواميس قاموس إنجليزي كوري حاول تأليفه لي سونغمان (١٨٧٥-١٩٦٥) الذي أصبح الرئيس الأول لجمهورية كوريا. وترك «لي» مسودة «القاموس الإنجليزي الكوري الجديد» الذي حاول تأليفه في السجن، عندما اُعتقل بتهمة محاولة الإطاحة بالنظام الملكي خلال عامي ١٩٠٣ و١٩٠٤ حيث شهدت مملكة جوسون تدهورا تدريجيا. لكن للأسف، لم يستطع أن ينجز من القاموس إلا من الحرف «أي» حتى الحرف «إف»، لأن هذا الناشط السياسي الذي سعى إلى تأسيس دولة جمهورية صرف معظم جهده لتأليف كتابه الآخر «روح الاستقلال» في الوقت ذاته. واليوم، يمتلك معهد لي سونغمان التابع لجامعة يونسي هذه المسودة.
كما أن مسودة أخرى لناشط الاستقلال الآخر عُرضت خلال المعرض وهي مسودة القاموس التي تركها الناشط والصحفي سو جايبيل المعروف أيضا باسم فيليب جيسن (١٨٦٤-١٩٥١). ففي عام ١٨٩٦، أسس سو جريدة الاستقلال التي تُعد أول صحيفة كورية يومية تصدر باللغتين الكورية والإنجليزية. وآنذاك، شرع سو في تأليف قاموس إنجليزي كوري لكنه لم ينجز منه إلا من الحرف «أي» حتى الحرف «بيه». وهذه المسودة المكتوبة بخط اليد ويعود تاريخها إلى عام ١٨٩٨ موجودة حاليا في قاعة الاستقلال التذكارية.
نشر األسقف الكاثوليكي فيلكس كلير ريديل ( ٠٣٨١-٤٨٨١)الذي انضم إلى البعثات الخارجية من باريس " القاموس الكوري الفرنسي" عد شار إلى أنه يُ عام ٠٨٨١.و يُ أول القواميس الثنائية اللغة ويحتوي على ٧٢ ألف كلمة كورية بالترتيب األبجدي© متحف الهانغول الوطني
آثار الحضارة الحديثة
بالإضافة إلى المعروضات التي حفلت بها جنبات المعرض التي يمكن للزوار مشاهدتها، فإن المعرض يتيح للزوار فرصة للاطلاع على التغيرات في نظام التهجئة ومعاني الكلمات عبر الزمن، وهذا يوفر لهم معرفة تأثيرات التطور الاجتماعي والثقافي على اللغة والقواميس منذ نهاية مملكة جوسون بالإضافة إلى مدى تأثيره على عقول أفراد الشعب الكوري.
فعلى سبيل المثال، تشير القصة القصيرة «هاتف» (جونهوا) التي ألفها يوم سانغ-سوب (١٨٩٧-١٩٦٣)، وهو كاتب وصحفي بارز اشتهر بقصته القصيرة «ضفدع أخضر في غرفة العينات»، إلى رغبة الإنسان في التباهي والظهور بواسطة الجهاز الحديث الذي أدى إلى التخلي عن الخصوصية في نهاية المطاف.
وقد اُستخدم الهاتف لأول مرة في كوريا عام ١٨٩٨، وفي البداية، كان يُدعى باسم «دونغنيول بونغ» الذي كُتب بحروف صينية حسب نطق الكلمة الأصلية بالإنجليزية «تيليفون» ويعني حرفيا «ريح تنشر الخير»، وكذلك كان يُسمى بـ»جونوو غي» الذي يعني «آلة تنقل الكلام» نظرا لوظيفته.
وفي العشرينيات من القرن الماضي، أصبح الهاتف يُسمى بالاسم الحالي «جونهوا» تأثرا بالكلمة اليابانية التي تدل على المعنى نفسه، وتتكون من الحروف الصينية. وقد انتشرت هذه الكلمة في المجتمع الكوري وأصبحت ضمن الكلمات الكورية بشكل رسمي عام ١٩٣٨، حيث أُضيفت إلى «قاموس اللغة الكورية» الذي شمل حوالي مائة ألف كلمة وألفه عالم اللغة الكورية مون سي-يونغ (١٨٨٨-؟).
ويُعد هذا القاموس أول قاموس كوري ألفه شخص كوري، ويكتسب أهمية كبيرة لأنه نتيجة للجهود التي بذلها مون الذي كرّس حياته كلها لتأليف قاموس اللغة الكورية للحفاظ على هوية الشعب الكوري التي تضررت جراء الحكم الاستعماري الياباني. أما القواميس الثنائية اللغة التي صدرت منذ أواخر القرن التاسع عشر على أيدي الأجانب فإنها لا تُعد من القواميس التي ترمز إلى هوية الشعب الكوري رغم أهميتها التاريخية. وعلاوة على ذلك، لا يُعد قاموس اللغة الكورية الذي أصدرته حكومة الاحتلال الياباني عام ١٩٢٠ ضمن القواميس الكورية التي تظهر الهوية الوطنية لأنه كان جزءا من السياسات الاستعمارية.
كما أن هذا المعرض سلط الضوء على بداية استخدام الكلمات الجديدة التي ظهرت في اللغة الكورية مجاراة للتقدم التكنولوجي الحديث مثل «سيارة» و»تلفاز» وكهرباء»، وكيفية انعكاس التيارات الاجتماعية على الكلمات الجديدة، بما فيها «فتى عصري» و»فتاة عصرية» و»سيدة حرة».
نعيش في العصر الرقمي حيث يتهددنا الغرق في بحر المعلومات الواسع وأصبحنا ننسى دور القواميس في المجتمع.
المسودة األولى للقاموس الكوري اإلنجليزي التي كتبها ناشطاالستقالل سو جايبيل عام ٨٩٨١.لكنه لم يكمل تأليف القاموس إال من الحرف A حتى الحرف .© قاعة االستقالل التذكارية
اللغة الكورية وتفوق كوريا في تكنولوجيا المعلومات
أصدر المجمع الوطني للغة الكورية «القاموس المعياري للغة الكورية» عام ١٩٩٩ ويُعد هذا القاموس إنجازا بالغ الأهمية في تاريخ القواميس الكورية. وأنفقت الحكومة الكورية على هذا المشروع حوالي ١٢ مليار وون كوري، وهو ما يعادل حوالي ١١ مليون دولار أمريكي. ويتكون هذا القاموس من ثلاثة مجلدات وتبلغ عدد صفحاته الإجمالية أكثر من سبعة آلاف صفحة، ويحتوي على حوالي خمسمائة ألف كلمة، ويشمل لهجات المناطق الكورية سواء أكانت في كوريا الجنوبية أم الشمالية، بالإضافة إلى الكلمات القديمة التي لا تُستخدم حاليا. ومنذ إصداره، اعتمدت عليه دور النشر التجارية كعمل مرجعي قياسي لصنع القواميس.
نعيش في العصر الرقمي حيث يتهددنا الغرق في بحر المعلومات الواسع وأصبحنا ننسى دور القواميس في المجتمع. وفي هذا الصدد، كان المعرض الخاص الذي أقامه متحف الهانغول الوطني فرصة نادرة للتذكير بقيمة القواميس التي ترشدنا إلى حقائق العالم وتغذي عقولنا. كما أنه وفر فرصة للاطلاع على التاريخ المأساوي الحديث للأمة الكورية والتأكد من تميّز نظام الكتابة الكوري «الهانغول».
وعلى الرغم من الصعوبات والمعارضة الشديدة التي أثارها المحافظون، فقد اخترع الملك سيجونغ الأبجدية الكورية من أجل الرعايا الذين لم يتمتعوا بفرصة التعلم بسبب صعوبة نظام الكتابة الصينية الذي اُستخدم آنذاك في كتابة اللغة الكورية، وأطلق الملك عليها اسم «هونمين جونغووم» الذي يعني «الأصوات الصحيحة لتعليم الرعايا» ويشير اسمها إلى فلسفته البراغماتية وحبه للرعايا وحنوه عليهم ورغبته الخيرة في محو الأمية. واليوم، يعتبر العالم الهانغول نظام كتابة فريدا يسهل تعلمه وتطبيقه. كما أن الهانغول يُعد نظام الكتابة الوحيد في العالم الذي يُعرف على وجه اليقين مخترعه وتاريخ اختراعه وهدفه. ولهذا السبب، أدرجت منظمة يونسكو «هونمين جونغووم وشرحه»، وهو المخطوط الذي يحتوي على الإعلان عن الأبجدية الجديدة والشرح وأمثلة استخدامها، ضمن قائمة سجل ذاكرة العالم عام ١٩٩٧.
كما أن اليونسكو حددت ٨ من سبتمبر يوما دوليا لمحو الأمية، وتمنح جائزة الملك سيجونغ الدولية لمحو الأمية كل عام لمن ساهم في محو الأمية من المؤسسات والأشخاص.
واليوم، تُعد كوريا من القوى العالمية الرائدة في مجال تكنولوجيا المعلومات نظرا لتميزها في سرعة الإنترنت والاستخدام الواسع للهواتف الذكية. ويعود الفضل في ذلك إلى بنية الأبجدية الكورية البسيطة والعلمية التي اخترعها الملك سيجونغ آملا بأن تكون سهلة التعلم والاستخدام.
الغالف الداخلي والصفحة األولى لقاموس اللغة الكورية الذي ألفه ونشره مون ساي-يونغ عام ٨٣٩١.يحتوي القاموس على ٠٠١ ألف عد أول قاموس كوري تم تأليفه وفقا لقواعد التهجئة الموحدة كلمة كورية و يُ ضيفت فيها شرت نسخة منقحة وموسعة منه عام ٠٤٩١ أُ لـ"الهانغول."و نُ حوالي ٠١ آالف كلمة وع ُ دلت بعض الشروح.
المسودة غير المكتملة لـ"القاموس اإلنجليزي الكوري الجديد"الذي ألفه لي سونغمان، أثناء سجنه خالل عامي 1903 و.1904وهو أول رئيس لجمهورية كوريا.© معهد لي سونغمان التابع لجامعة يونسي