يشير نظام التدفئة الأرضية المسمى بـ»أوندول» إلى مهارات الكوريين في التعامل مع التدفئة، ولقد أثر هذا النظام تأثيرا عميقا في نمط حياة الكوريين، ولا تزال عادات الأسر المعيشية التي تشكلت منذ قرون بسبب نظام التدفئة الفريد من نوعه حاضرة حتى هذا اليوم، ولهذا السبب، أُدرج «أوندول» ضمن التراث الثقافي غير المادي.
هذه غرفة الضيوف في بيت العالم الكونفوشيوسي " جانغ هونغ-هيو( "٤٦٥١-طلق عليه لقب " غيونغ دانغ"وعاش في عصر مملكة جوسون، ٣٣٦١)الذي أُ ويقع بيته في منطقة " آن دونغ"بمحافظة " غيونغ سانغ"الشمالية.وعادة ما تنتهي عملية وضع األرضية باللمسة النهائية الالمعة بزيت فول الصويا بعد إلصاق ورق " هان جي"التقليدي السميك على األرضية المغطاة بالطين.أما األثاث فإنه يوضع في أبعد مكان عن النار
يعود تاريخ «أوندول» في شبه الجزيرة الكورية إلى العصر الحجري الحديث، حيث اعتمد الكوريون على نظام التدفئة تحت الأرضيات منذ وقت طويل مما أدى إلى تعودهم على الجلوس على الأرضيات والاستلقاء عليها. وعلى الأرض، قام الكوريون بجميع الأنشطة المنزلية سواء أكانت تلك الأنشطة تناولا للطعام أم قراءة أم تفاعلا مع الآخرين أم نوما، ومن ثَمّ اُخترعت الطاولات المتنوعة القصيرة الأرجل للمساعدة في القيام بهذه الأنشطة.
وكان المطبخ يكتسب أهمية خاصة لدى الكوريين لأنه نقطة بداية في المنزل الذي فيه «أوندول»، فاُعتبر جزءا ذا أهمية خاصة في المنزل الكوري التقليدي، لأنه كان مكانا لإعداد الطعام ومصدر الدفء، فضلا عن أنه المكان الذي يقيم فيه إله العائلة ومكان تنقية النفس والروح.
لدى الكوريين ممن هم الآن في منتصف العمر ذكريات متشابهة عن «أوندول»، ومنها تدفئة البيت خلال الشتاء ووضع وعاء الأرز على المكان الأكثر دفئا من الأرضية وتدفئة المكان من أجل الضيوف وكبار السن في العائلة. لكن، نادرا ما نرى هذه المشاهد هذه الأيام، لأن البيوت والشقق الحديثة مؤثثة بطاولات ومقاعد وأسرّة على النمط الغربي. لكن حتى النسخة الحديثة من نظام التدفئة التقليدي يمكنها أن تجعل الأنشطة التي قامت بها الأجيال القديمة على الأرضية سهلة. ولا يزال أسلوب الحياة الذي نتج عن استخدام «أوندول» حاضرا حتى اليوم في شتاء أنحاء البلاد المختلفة، ولهذا السبب، أدرجت الهيئة الوطنية للتراث الثقافي نظام التدفئة «أوندول» على قائمة التراث الوطني الثقافي غير المادي في شهر أبريل من هذا العام.
مدفأة جدارية
في الوقت الحاضر، زُودتْ البيوت الكورية بنسخة حديثة من «أوندول»، في الوقت الذي أصبح فيه من الصعب أن نعثر على بيت مزود بنسخة تقليدية من نظام التدفئة هذا. وقد كان من المكوّنات الرئيسة لهذا النظام التقليدي «آغونغ-إي» الذي يدل على الموقد أو الفرن. وكان «آغونغ-إي» يوضع تحت مستوى سطح الأرض بجوار المطبخ وقد لعب دورا مشابها للموقد، أي توفير الحرارة الإشعاعية عبر المداخن تحت الأرضية، وبالطبع فإن «آغونغ-إي» يختلف اختلافا كبيرا عن المدفأة الجدارية من حيث الهيكل والوظيفة.
في البيوت الكورية التقليدية، يجاور المطبخ الغرفة الرئيسة.ويجري الهواء الساخن الذي ينبعث من " آغونغ-إي"، وهو يعني الموقد أو الفرن، من المطبخ عبر الممرات الفارغة تحت األرضية لتدفئة الغرف.
وأما المدفأة الجدارية فإنها تسخن هواء الغرفة مباشرة من خلال الحمل الحراري، حيث يصعد الهواء الساخن إلى الأعلى وتحرق النار في المدفأة الجدارية الأكسجين في الغرفة، مما يجعل الجو مكتوما. وقبل اختراع المدخنة في حوالي القرن الثالث عشر والرابع عشر في أوروبا، كان يتعيّن على الناس فتح النوافذ للتهوية مما يؤدي إلى فقدان بعض الحرارة المتولدة من المدفأة.وبالمقارنة فقد افتقرت المنازل التقليدية في معظم مناطق الصين إلى نظام التدفئة الملائم للطقس البارد، كما أن البيوت الصينية افتقرت إلى المداخن بسبب عدم وجود حاجة إلى إشعال النار إلا في حالة الطهي. وكان سقف الغرفة المرتفع التي يتم إشعال النار فيها يتكون من جذوع الأشجار التي يبلغ قطرها حوالي عشرة سنتيمترات وقرميد السقف الذي يوضع فوقها. وكان ينجم عن ذلك أن يتجمع الدخان تحت السقف العالي ويتسرب ببطء من خلال شقوق بلاط السقف محملا الهواء بعض الدفء. كما أن البيوت اليابانية التقليدية المزودة بـ»تاتامي»، وهي حصيرة يابانية أرضية، كانت تفتقر أيضا إلى المداخن.
وفي نظام «أوندول» التقليدي، ينتج «آغونغ-إي» الطاقة الحرارية التي تسخن الأرضيات، وهذا بدوره يسخّن الهواء ويبعث الدفء في الغرفة. وتُعد التدفئة بالحرارة الإشعاعية أكثر فعالية من التدفئة بالحمل الحراري، أي التدفئة باستخدام المدفأة الجدراية، ويمكن أن تدفئ الحرارة الإشعاعية مساحة كبيرة وتوزع الدفء في الغرفة توزيعا متكافئا نسبيا، كما أنها لا تسبب صعود الغبار إلى الأعلى أثناء حدوث تيارات الحمل الحراري.
ويمكن أن نجد نوعا آخر من التدفئة بالحرارة الإشعاعية في أماكن أخرى من العالم، فكل من حمام الساونا في فنلندا وفرن الطوب الروسي المسمى بـ»بيتشيكا» خير مثالين على ذلك. كما أن نظام التدفئة المشابه لـ»أوندول» موجود في بعض مناطق الصين وينتشر هذا النظام المسمى بـ»كانغ» من مقاطعة خبي حتى منطقة شمال شرق الصين. ويشير «كانغ» إلى أن تدفئة جزء من غرفة عادة ما يعادل حجمه سريرا كبيرا. وهناك فرق بين «أوندول» وأنظمة التدفئة الأخرى سواء أكانت بالحرارة الإشعاعية أم الحمل الحراري، وهو أن نظام «أوندول» الكوري التقليدي لا ينتج دخانا في الغرفة.
الهيكل والمبدأ
نظام «أوندول» التقليدي نظام فريد من نوعه لأن عملية تدفئة الغرفة تبدأ من الخارج، ويتطلب هذا النظام كثيرا من الحطب لكي يعمل بشكل صحيح، فعلى سبيل المثال، يجب تجميع الحرارة وإرسالها من «آغونغ-إي» عبر قناة أو ممر تحت الأرضية إلى غرف البيت، وفي الوقت نفسه، يجب التخلص من الدخان ومنع تسربه عبر الأرضية.
وفضلا عن آغونغ-إي» الموجود عند مدخل المدخنة، فإن «غوري» و»غايجاري» من المكونات الأساسية لنظام «أوندول». أما «غوري» فإنه قناة أو ممر فارغ تمر من خلاله الحرارة التي تدفئ الأرضية وكذلك يمر منه الدخان الذي يخرج عبر المدخنة.
وعادة ما يصنع هذا الممر من الطوب، ويبلغ عرضه حوالي عشرين سنتيمترا، ويتجه نحو المدخنة. وهناك جدران من الطوب تقع بين الممرات وتدعم البلاطات الحجرية التي يتراوح سمكها بين خمسة إلى ثمانية سنتميترات وتُغطى بها جميع الأرضيات. وتُدعى هذه البلاطات الحجرية المغطاة بالطبقات الصلبة من الطوب باسم «غودول». ويوضع مدخل الممرات بجانب الموقد بحيث يمتد لهب النار أفقيا بمجرد إن يبدأ إشعال الوقود، ثم تدخل الحرارة إلى شبكة من الممرات تحت الأرض مصاحبة للدخان الذي يخرج من المدخنة في النهاية. وعلى الرغم من أن ممرات الحرارة منظمة بشكل جيد، فلا يمكن منع تسرب الحرارة مائة بالمائة، ولذلك، تُستخدم هذه الحرارة المتسربة للطهي في المطبخ.
يجب أن توضع الممرات الفارغة تحت األرضية الم ُ سماة " غوري"والبالطاتالحجرية المغطاة بالطبقات الصلبة من الطوب باسم " غودول"في مكانها الصحيح لضمان توزيع الحرارة.والممرات الفارغة مصنوعة من الطوب وتتخذ شكل الخط المستقيم أو المروحة.أما البالطات الحجرية فإنها أكثر سماكة إذا كانت قريبة من الموقد وأقل سماكة إذا كانت بعيدة عنه.
نظام «أوندول» ممتاز في الحفاظ على الحرارة، فالنار التي تُشعّل في المساء، تبقي الغرفة دافئة حتى صباح اليوم التالي، وإذا وُضعت البلاطات الحجرية «غودول» بصورة جيدة، فإن حوالي ستة جذوع من الشجر فقط تكفيللحفاظ على الدفء في البيت لمدة ثلاثة أيام. ويُقال إن غرفة التأمل في معبد «تشيل بول» الذي يقع على جبل «جيري» كانت تحتاج إلى حوالي نصف طن من الحطب لتدفئتها، وعند حرق هذه الكمية من جذوع الشجر، تبقى أرضية الغرفة وجدرانها دافئة لمدة مائة يوم. وتشتهر هذه الغرفة بنظام «أوندول» المزدوج وأرضيتها على شكل الحرف الصيني «亞» بالإضافة إلى وجود منصة مرتفعة للتأمل في كل زاوية من زواياها.
وعلى هذا النحو، يمكن أن يحافظ نظام «أوندول» على الحرارة لفترة طويلة باستهلاك القليل من الوقود. لكن، عندما تتلاشى الحرارة وتصبح الغرفة باردة، يدخل الهواء من الموقد أو المدخنة ويرطب الممرات في الداخل. وإذا ظلت الممرات رطبة لوقت طويل، فإنه يصبح من الصعب إعادة الإشعال بسهولة، الأمر الذي يتطلب المزيد من الوقود، ولمنع حدوث هذه المشكلة، تُوضع الجرة المسماة بـ»غايجاري» بجانب المدخنة لتجميع الرطوبة التي تشكلت داخل الممرات. وهذه الرطوبة الموجودة في الجرة تتبخر عندما تدخل الحرارة إلى ممرات التدفئة مرة أخرى. وللسبب نفسه، تُشعل النار صباحا ومساء خلال موسم الأمطار الصيفي لتجفيف الغرفة وإزالة الهواء الرطب الموجود تحت الأرضية.
وفي الماضي، كانت بعض الكلاب الأليفة تدخل أحيانا إلى الحفرة الموجودة بجانب الموقد هربا من برد الشتاء، وبالطبع، كان الكلب يستيقظ فجأة بسبب حرارة النار التي تُشعل في الصباح. لذلك، فعلى الشخص الذي يتولى إشعال الموقد فحصه باستخدام العصا قبل إشعال النار للتأكد من عدم وجود كلب أو خلافه في الداخل.
البيت القديم لـ"سيم هو-تيك"، وهو رجل غني ذو اسم مستعار " سونغ سوه"، في قرية " تشونغ سونغ"بمحافظة ني حوالي عام ٠٨٨١ نموذجا لبيوت النبالء في أواخر عصر مملكة عتبر البيت الذي بُ "غيونغ سانغ"الشمالية.يُ جوسون.وترتبط كل الغرف مع " آغونغ-إي"للتدفئة باستثناء القاعة الخشبية المكشوفة.
عند إشعال النار في الموقد، يتدفق الهواء الساخن والدخان إلى الممرات الفارغة تحت األرضية.وتتم تدفئةالغرف عن طريق الحمل الحراري عبر األرضية بينما يخرج الدخان من المدخنة في النهاية.
التدفئة بالمياه الساخنة
أُدرجت ثقافة «أوندول» ضمن قائمة التراث الثقافي الوطني غير المادي لأسباب عديدة منها أن «أوندول» التقليدي بدأ يختفي، فنحن نرى اليوم في معظم البيوت الكورية أنه اُستبدل «أوندول» التقليدي بجهاز التدفئة الحديث بواسطة المياه الساخنة التي تنقلها الأنابيب تحت الأرضية لتدفئة الغرف. كما أن مجمعات الشقق الكبيرة توفر خدمات التدفئة إلى مئات أو آلاف الشقق بنظام التدفئة المركزية بواسطة المياه الساخنة.
ومن الجدير ذكره إن مخترع أول نظام تدفئة بالمياه الساخنة هو فرانك لويد رايت المهندس المعماري الأمريكي المشهور بأعماله المعمارية الحديثة، وقد صادف هذا المهندس المعماري نظام التدفئة الكوري «أوندول» في طوكيو في شتاء عام ١٩١٤، عندما كلفه أوكورا كيهاتشيرو رجل الأعمال الياباني بتصميم الفندق الإمبراطوري في طوكيو. وفي أحد الأيام، عندما ارتعش المعماري الأمريكي بسبب البرودة، أرشده أوكورا إلى «غرفة كورية»، وكانت جزءا من «جاسون دانغ» الذي كان مقر الإقامة لولي العهد الكوري ونقلته الحكومة اليابانية من قصر غيونغ بوك بكوريا إلى اليابان. ولما كانت البيوت التقليدية الكورية تُبنى بربط الخشب بعضه إلى بعض، فإن عمليات تفكيك البيت وإعادة بنائه كانت سهلة نسبيا. وتحدث فرانك رايت عن تجربته على النحو التالي:
« سرعان ما شعرنا بالدفء والسعادة مرة أخرى، جَثَوْت على ركبتيّ مع إحساس جميل بالدفء لا يُوصف. لم أر جهازا للتدفئة في الغرفة ولا أي وسيلة تدفئة أخرى، وهذا ليس مجرد تدفئة للبيت بل إنه شيء له علاقة بالأحداث المناخية».
«يبدو أن الجو تغير فجأة. لا، ليس بسبب القهوة. شعرت بقدوم الربيع. سرعان ما شعرنا بالدفء والسعادة مرة أخرى. جَثَوْت على ركبتيّ مع إحساس جميل بالدفء لا يُوصف. لم أر جهازا للتدفئة في الغرفة ولا أي وسيلة تدفئة أخرى. وهذا ليس مجرد تدفئة للبيت بل إنه شيء له علاقة بالأحداث المناخية.»
(«حرارة الجاذبية» من الكتاب «فرانك لويد رايت؛ سيرة ذاتية»، ١٩٤٣، طبعة منقحة)وانطلاقا من هذه الخبرة، قام المعماري الأمريكي بتقويم الأنابيب المتعرجة من جهاز التدفئة الكهربائي الذي اُستخدم بشكل كبير في ذلك الوقت، ووضع هذه الأنابيب المستقيمة تحت أرضيات الفندق الإمبراطوري. وكان ذلك بداية لنظام التدفئة بواسطة المياه الساخنة، وطبقه رايت على المباني الأخرى بعد ذلك.
مكان للاستشفاء
إن غرفة «أوندول» التقليدية تُعد مكانا للاستشفاء، لأن نظام «أوندول» خال من الدخان وينشر الإشعاعات الحرارية التي تساعد على الوقاية من أمراض القصبات الهوائية، والتهاب الجيوب الأنفية والالتهاب الرئوي. وبالإضافة إلى ذلك، يسكّن الألم العصبي أو ألم التهاب المفاصل. وعندما يُصاب شخص بالبرد، يمكن علاجه بالاستلقاء على الأرضية الدافئة وتغطيته بغطاء ثقيل لترتفع حرارة جسمه، مما يؤدي إلى تعرّقه وتخفيف احتقان الأنف. وهذه الطريقة فعالة أيضا في تخفيف الحمى. وكذلك، يمكن للشخص الذي قضى يوما متعبا واستنزفت طاقته أن يحصل على الطاقة والحيوية لليوم التالي بمجرد النوم في غرفة «أوندول»، وفضلا عن ذلك، فإن غرفة «أوندول» جيدة في رعاية الأم بعد الولادة أيضا.
وكما سبق أن أوضحنا آنفا فإن لـ»أوندول» تأثيرا علاجيا، وسبب ذلك أن الأشعة تحت الحمراء التي تنتج عن الحجارة والطين أثناء تدفئة الغرفة تتغلغل في أجسامنا وتلعب دورا علاجيا، هو علاج بالحرارة. فمن المعروف أن الحرارة التي يتم نقلها مباشرة عبر جلد الإنسان أكثر فعالية في تنشيط الدورة الدموية مقارنة مع الحرارة التي يتم نقلها عبر الهواء. ويُشار إلى أن الأشعة تحت الحمراء تساهم في تعزيز المناعة واستعادة القدرة على الشفاء الذاتي. ولهذا السبب، تستمر الجهود والتجارب العلمية للاستفادة من هذه التأثيرات الصحية التي يتميّز بها «أوندول» على أنظمة التدفئة الحديثة.