في الآونة الأخيرة، أصبح مفهوم "الخبرة المكانية" موضوعا مهما عند بناء الفنادق. ويسعى الكثير من المهندسين المعماريين إلى تطبيق هذا المفهوم في أعمالهم المعمارية من خلال القيام بتجارب متنوعة جديدة.
يقع فندق هيلينغ ستي كوسموس في جزيرة وولونغ. ويمكن رؤية مناظر مختلفة من أجنحتها المستديرة الستة التي تتخذ شكل الدوامة.
© كيم يونغ-غوان
تكون الفندق، أي فندق، من ردهة وممرات وغرف النزلاء ومرافق أخرى. وعلى وجه الخصوص فإن الفنادق التي تحيط بها الطبيعة الجميلة توفر بيئة استجمام أكثر راحة وتُتيح الفرصة للتمتع بجمال الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، يقدم المهندسون المعماريون محاولات جديدة عن طريق التركيز على إيجاد معنى جديد للراحة أو السعي لإيجاد دور جديد للفندق.
تساهم الجهود والمحاولات التي يبذلها المهندسون المعماريون في توسيع دور الفندق والانطلاق به من دوره الأساسي، وهو توفير مكان الإقامة، إلى دور جديد، يقوم على تقديم تجارب غير عادية للنزلاء. وعلى سبيل المثال، يحاول بعضهم ترجمة أماكن قديمة مألوفة باللغة المعمارية الحديثة لإثارة مشاعر متنوعة في قلوب الناس، ويطبّق بعضهم الآخر نظرية التكتونيك المعمارية لجعل العمارة أكثر انسجاما مع الطبيعة المحيطة بها. كما أن هناك محاولة معمارية تطرح نوعا جديدا من غرف النزلاء بعيدا عن الصورة النمطية لها، من أجل تغيير نمط الرحلة وجعلها تبدأ من الوصول إلى الفندق وتنتهي عند دخول الغرفة. كما أن هناك محاولة أخرى للتعبير عن المشاعر التي تحملها الأماكن بواسطة التركيز على هيكلها المعماري. بعبارة أخرى يمكن القول إن هذه المحاولات المعمارية كلها تشير إلى ما يعنيه مفهوم "الراحة" في أذهان المهندسين المعماريين، كما أنها جميعا تتعلق بالمشاعر التي نريد إثارتها خلال السفر والرحلة.
يتسم فندق بودو بنوافذه التي تجذب الأنظار وتوجهها نحو الأرض.
© فندق بودو
يُعد فندق بودو الذي يقع في قرية آندوك الجبلية في جزيرة جيجو، من الأعمال الرئيسة للمهندس المعماري إيتامي جون. وتبدو أسقفه المستديرة التي اتخذ المهندس فكرة تصميمها من التلال البركانية الموجودة في الجزيرة كأنها عناقيد عنب.
© فندق بودو
مشاعر نقية
السقف المستدير مستوحى من شكل المخاريط البركانية الموجودة في جزيرة جيجو. يبدو أن غرف النزلاء المنفصل بعضها عن بعض تشكّل انسجاما غير منتظم، مما يجعل أسقفها المستديرة يتجمع بعضها مع بعض ليصبح شكلها مشابها لعنقود العنب. كما أن كل مبنى يتكون من طابق واحد لكي ينسجم مع المناظر الطبيعية المحيطة به بشكل طبيعي، بحيث يبدو الفندق كقرية صغيرة تتجمع فيها منازل تقليدية كورية ذات سقف من القش. ويُشار إلى أن فندق بودو الذي يقع في قرية آندوك الجبلية في جزيرة جيجو ينسجم انسجاما كاملا مع طبيعة الجزيرة ويعبر بوضوح عن المشاعر التي تحملها مباني الجزيرة التقليدية الصغيرة. لذلك يحظى هذا الفندق باهتمام مستمر منذ بنائه عام ٢٠٠١ ويُعد من أشهر الأعمال المعمارية للمهندس المعماري إيتامي جون.
وضع المهندس المعماري أدوارا لـ٢٦ غرفة للنزلاء وصالة استقبال في صناديق منفردة ورتب هذه الصناديق بشكل عشوائي تحت سقف واحد. يبدو الفندق كأنه قرية فيها طريق واحد. أدى ترتيب الصناديق العشوائي إلى ظهور ثغرات مختلفة الحجم بين الغرف فملأها المهندس بمادة زجاجية لنقل الأضواء والمناظر الطبيعية من خارج الفندق إلى داخله.
ربما يجد نزلاء الفندق أن ارتفاعات غرفه تختلف بشكل طفيف، لأنها بُنيت لتنسجم مع تضاريس المنطقة. كما أنهم قد يشعرون كأنهم يتنزهون في زقاق عندما يمشون على ممر الفندق حتى الوصول إلى غرفهم. ويمكن للنزلاء أن ينظروا إلى السماء عبر النافذة المستديرة في وسط الممر الرئيس المؤدي إلى الحديقة الداخلية التي توفر للنزلاء الهدوء البصري العميق. كما أن النوافذ تتجه نحو الأسفل لجعل النزلاء ينظرون إلى الأرض بدلا من المناظر الطبيعية. وجدير بالذكر بأن المهندس المعماري إيتامي جون حاول نقل الأضواء والمناظر الطبيعية إلى داخل الفندق الهادئ ذي الإضاءة الخافتة في الأماكن المناسبة.
بُني فندق بودو باستخدام المواد الطبيعية، مثل الحجر والتراب والخشب والماء. واستخدم المهندس المعماري الذي كان يسعى إلى إعطاء الشعور بالدفء والجمال الخشن أو الخام لأعماله المعمارية؛ حجر النايس لبناء الأرضية وملأ داخل الفندق بالمواد الخشبية وزين الحيطان بقماش جيجو التقليدي الأسمر الذي تم تلوينه باستخدام ثمار الكاكا غير الناضجة. بعبارة أخرى فإنه استخدم المواد الطبيعية المتوفرة في الجزيرة للتعبير عن خصائص الجزيرة والمشاعر التي تحملها طبيعة جيجو.
لا يكاد نزلاء الفندق يفتحون أبواب غرفهم حتى تتلقاهم أناقة المساحة وفتنة النظافة مما يولّد انطباعا كبيرا بجمال المكان. وتثير الأعمدة الخشبية الثقيلة التي تدعم السقف الشعور بالهدوء والعظمة. ويُشار إلى أن الشرفة التي يشبه شكلها شكل الأرضية الخشبية الموجودة في المباني الكورية التقليدية والمناظر الطبيعية وراءها تجعل النزلاء يشعرون كأنهم في مكان تختلط فيه خصائص العمارة الكورية التقليدية بالعمارة الحديثة.
وعلى وجه الخصوص، فإن المهندس المعماري أخذ بعين الاعتبار مستوى النظر عند تصميم الغرف لكي يشعر نزلاؤها بالراحة البصرية والدفء الذي تحمله المباني الكورية التقليدية في آن واحد. بالإضافة إلى ذلك، تساهم الحيطان الكورية التقليدية والأرضية المزينة بالأوراق الكورية التقليدية في إكمال الجمال المعماري.
أعتقد أن تصميم فندق بودو يحمل فلسفة المهندس المعماري إيتامي جون الذي يرى أن العمارة الحديثة، "تتجاهل المشاعر النقية التي يثيرها الوجود الثقيل للمواد الطبيعية". ويمكن القول إن الشعور بالدفء الذي تثيره المباني الكورية التقليدية والانسجام المكاني الناتج عن الترتيب غير المنتظم والهدوء الذي توفره المواد الطبيعية، كلها تحوّل الفندق من مكان للاستراحة إلى مكان للتفكير.
إنجازات معمارية
تُعد الأشكال البسيطة الواضحة من أهم عناصر الفنادق التي تعطي خبرة مكانية فريدة من نوعها. وفي بعض الأحيان، يقوم المهندسون المعماريون باختبارات جديدة لتطبيق هذه الفكرة. ومن أمثلتها، فندق ساوث كيب لينير سويت الذي يقع في بلدة نامهي في محافظة غيونغ سانغ الجنوبية. بُني هذا الفندق على طول الخط الساحلي المتعرج في الأراضي المنحدرة على هيكل الكابول المعماري الذي يبلغ طوله ١٥ مترا، وينسجم هذا الخط الطويل مع أفق البحر الجنوبي الجميل. كما أن فندق هيلينغ ستاي كوسموس الذي بُني عام ٢٠١٧ باستخدام تقنيات معمارية متقدمة ينسجم انسجاما جميلا مع جزيرة وولونغ.
جزيرة وولونغ مشهورة بمناظرها الطبيعية الخلابة التي أوجدتها الصخور البركانية. الجزيرة هي المكان الذي لا يمكن الوصول إليه بسهولة والمكان الذي يمنح الفرصة للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة وسط البحر الواسع. يقع فندق هيلينغ ستاي كوسموس قبالة جبل تشو الذي يُعد من أجمل المناظر الطبيعية في الجزيرة. لقد سلط المهندس المعماري كيم تشان-جونغ الضوء على أشكال الأجهزة الفلكية عندما صمم هذا الفندق للتعبير عن القوة التي تحملها الجزيرة. تشكّل الدوائر التي يقترب بعضها من بعض على طول مسار الشمس والقمر، منحنى هيلكس لتتحول إلى مبنى دائري ذي ستة أجنحة. وهذا يعني أن مبنى الفندق يتخذ شكلا دائريا ذا منحنى طويل. مبنى الفندق مرتفع كجبل تشو ومتجه نحو السماء مع تشكيل منحنى كبير. وتتجه أجنحته الستة في اتجاهات مختلفة فيمكن رؤية المناظر المختلفة من خلال هذه الأجنحة.
يقول المهندس المعماري كيم تشان-جونغ، "رغبتُ في أن أضيف صحنا خفيفا للغاية على المناظر الحادة لجبل تشو في جزيرة وولونغ ". ولتحقيق هذه الرؤية المعمارية استخدم المهندس نوعا جديدا من الخرسانة يُسمى بـ"الخرسانة الفائقة الأداء". بعبارة أخرى فإنه أراد التعبير عن الجمال المعماري الدقيق باستخدام الخرسانة الرقيقة دون الحديد، لذلك صنع قوالب معقدة لبناء المبنى ذي المنحنيات غير المنتظمة باستخدام هذه المادة الخرسانية الجديدة التي تُستخدم بشكل عام في الهندسة المدنية وحاول تطبيق التقنيات الجديدة التي لم يستخدمها من قبل في موقع البناء.
نجحت محاولاته الجريئة فاستطاع أن يصنع الجدران الخرسانية الخارجية ذات المنحنى الجميل التي يبلغ سمكها ١٢ سنتمترا، ويمتد هذا الخط المنحني غير المنتظم حتى داخل المبنى، فتركت هذه العمارة الجميلة التي أُنشئت على جزيرة وولونغ القاسية انطباعا خاصا مُحببا في قلوبنا.
يتميز فندق ساوث كيب لينير سويت الذي يقع في بلدة نامهي في محافظة غيونغ سانغ الجنوبية، بهيكل الكابول المعماري الذي ينسجم انسجاما جميلا مع الطبيعة المحيطة به.
© كيم يونغ-غوان
لكل غرفة في فندق نامو الذي صممه المهندس المعماري جونغ جي-هيون مكان خارجي محاط بجدار يجعل النزلاء يشعرون براحة كاملة.
© باك يونغ-تشي
راحة مألوفة
يطرح فندق نامو الذي اُفتتح عام ٢٠٢١ تساؤلا عن وظائف الفندق الأساسية. ويقدم المهندس المعماري جونغ جي-هيون تجربة منزلية مريحة في غرفة الفندق، بحيث يمكن للنزلاء أن يشعروا فيه براحة تامة كأنهم في بيوتهم. فصمم المهندس جونغ حوالي ٢٠ مبنى حتى الآن وتتسم المباني التي صممها بوجود مكان إضافي. فعلى سبيل المثال، زاد مكانا إضافيا على الباب الرئيس للمبنى أو وفّر مكانا إضافيا يربط بين خارج المبنى وداخله. كما أنه يسلط الضوء على حركة التنقل بين الفناء وغرفة الجلوس لأنه يركز على وظائف الفناء العملية. ونتيجة لذلك، في بعض المباني التي صممها وضع الأماكن الداخلية مقابل الأماكن الخارجية. كما أنه يفضل تقسيم المبنى إلى أماكن عدة وتغيير ارتفاعاتها لنقل الأضواء الطبيعية إلى الفناء الداخلي.
كما أنه يحاول تطبيق خصائص المباني الكورية التقليدية، التي تطورت لتتكيف مع تضاريس كوريا ومناخها، على العمارة الحديثة. لهذا، ترتبط الأماكن الداخلية والخارجية للمباني التي صممها ارتباطا وثيقا بعضها ببعض مثل المباني الكورية التقليدية، حيث تربط الأرضية الخشبية المكشوفة بين الغرف المتعددة. وعلى وجه الخصوص فإن الأماكن الخارجية تكتسب أهمية خاصة بين الكوريين الذين اعتادوا على الأماكن الداخلية التي توفرها الشقق والمجمعات السكنية الحديثة. وكان المهندس جونغ يريد صنع الأماكن شبه الخارجية لإعطاء راحة لنزلاء الفندق.
يقع الفندق في مكان يتيح لنزلائه التمتع بإطلالات ساحرة على نهر هان في وسط العاصمة سيول إلا أن المباني القديمة التي بُنيت بشكل عشوائي ما تزال موجودة بجواره. وأحاط المهندس جونغ خارج الفندق بجدران من الطوب لفصل الفندق عن ضجيج وسط المدينة ووضع ردهة في الجزء الخلفي من المبنى، حيث تقع صالة استقبال هادئة وأماكن عامة أخرى. حجم الفندق صغير إلا أنه يحتوي على فناء خارجي يرتبط بداخل الفندق.
أراد المهندس جونغ أن يكون هذا الفندق مكانا يمكن فيه التمتع براحة كاملة مع الحفاظ على خصوصية كل غرفة. فصمم ٢٤ غرفة تختلف كل منها عن الأخرى من حيث الشكل والمساحة ووضع المكان الخارجي المحاط بالجدران في كل غرفة، والذي يمكن استخدامه كمكان استحمام خارجي أو مكان استراحة. بعبارة أخرى فإن هذا المكان الإضافي يجعل النزلاء يشعرون براحة كاملة كأنهم في بيوتهم مع تأمين خصوصياتهم بالجدران المحيطة به.
يستطيع نزلاء الفندق أن يستريحوا وهم يستمتعون بالريح والضوء والسماء وغيرها من عناصر الطبيعة الجميلة في هذا المكان المضاف إلى غرفهم. كما أن المكان الخارجي الموجود في كل طابق يجعل نزلاء الفندق ينظرون إلى الخارج. بعبارة أخرى فإن فندق نامو لا يقدّم فرصة للتمتع بخبرات مختلفة في وسط المدينة فحسب، بل إنه يطرح أيضا مفهوما جديدا لمكان الاستراحة والاستجمام